لحج .. مدين عبدالله صالح.. لم تمنعه الإعاقة الحركية عن مواصلة دراسته
سنابل الأمل .. كتب – محمد مرشد عقابي
من الصعوبة بمكان أن تواجه كل الصعاب وتصارع العقبات التى تعترض حياتك اليومية لتصل إلى ما تطمح إلى تحقيقه، ومن المؤكد أن الصعود إلى قمة هذه الرؤية من الأهداف يتطلب الكثير من التضحيات وسلوك سبل النجاح المبني على قوة الإرادة والعزيمة ورغبة التميز والارتقاء، وعادة لا تخلو التحديات من الضغوطات الكثيرة على اختلافها من فرد لآخر كل حسب أحواله.
وأصحاب الهمم من ذوي الاحتياجات الخاصة مثلهم مثل غيرهم لهم طموحاتهم وأهدافهم التي يسعوا لتحقيقها بنظرة مستقبلية رغم مصاعب الإعاقة، حيث يكافح المعاق ويجتهد بهدف إثبات الوجود، في المجتمع الذي يعيش فيه ليس كمعاق وإنما كمبدع ومنتج ومساهم في تنمية مجتمعه، و”مدين عبدالله صالح”، نموذج من أولئك أصحاب الهمة العالية الذين تحدوا إعاقتهم في سبيل مواصلة مشوارهم الدراسي.
يعانى الطفل “مدين”، من إعاقة ذهنية مصاحبة لإعاقة حركية منذ الولادة، التحق بمدرسة الشهيد عباس رضوان بمركز المسيمير الحواشب في لحج والتي تديرها بحنكة واقتدار الأستاذة صفية صالح سالم، وحالياً هو طالب في الصف السابع، استطاع بإرادته القوية الانتصار على إعاقته إذ انه يقطع إلى المدرسة كل يوم مسافات طويلة ذهاباً وإياباً من منزله الواقع في قرية جراب، ليثبت بذلك أن المعاق ليس ذلك الإنسان الذي يعاني من مشكلة في جسمه وإنما الشخص المعاق هو من يستطيع أن ينتج ولا يريد ذلك.
*دعم الأسرة والمدرسة*
ولم تمنع الإعاقة الحركية هذا الطفل من مواصلة حياته الاجتماعية والتعليمية بنجاح وتفوق، وبتشجيع ودعم من أفراد أسرته ومديرة مدرسته الأستاذة القديرة “صفية صالح سالم الحوشبي”، وهو ما جعله لا يشعر بأن شيئاً ينقصه أو يميزه عن بقية إخوانه أو أصدقائه وزملائه في المدرسة وخارجها، فهو يزاول حياته بشكل طبيعي، متحدياً إعاقته نحو إثبات ذاته وتنمية مداركه ومهاراته العلمية والفكرية والمعرفية، فضلاً عن ممارسته لبعض الرياضات والهوايات الأخرى.
ولولا دعم ومساعدة مديرة مدرسة الشهيد عباس رضوان الأستاذة الفاضلة والخلوقة “صفية صالح سالم الحوشبي”، له وحرصهم الدائم على توفير البيئة المناسبة أمامه لكان وضعه وحاله مختلفاً عما هو عليه الآن، حيث يستذكر وقفاتها المثالية إلى جانبه ودعمها المتواصل والمتمثل بتهيئة الاجواء والظروف الملائمة التي تتناسب مع وضعه وحالته، وتوفير كل ما يحتاجه من متطلبات، وكذلك تشجيع والدته له وهو ما دفعه لمواصلة مشواره الدراسي على أمل تحقيق كامل رغباته وطموحاته في الحياة، فهو يتحدث قائلاً: “لم استسلم لإعاقتي فكافحت وأصريت على الدراسة والتزود بالعلم والمعرفة، وعندي الطموح لمواصلة مشواري التعليمي والدراسي العالي والحصول على أعلى الدرجات وخدمة الوطن بعون الله عزوجل”.
واقدم الشكر الجزيل لمديرة مدرستي الأستاذة “صفية صالح سالم الحوشبي”، على مواقفها ومعاملتها الطيبة لي وحرصها واهتمامها بي ومتابعتها المستمرة لحالتي، ودعمها لكل خطوات الإرتقاء بمستواي نحو الأفضل، ولا أنسى جهود أسرتي وبالتحديد والدتي الكريمة التي تأخذ بيدي وتدفعني دائماً إلى النجاح بإرادة وثقة.
ولم تحد الإعاقة الحركية من رغبة الطالب “مدين” في العيش بصورة طبيعية بين الآخرين، فلديه العديد من الأصدقاء في البلدة التي يقطن فيها بالإضافة إلى علاقاته الجيدة بزملائه في المدرسة، وتحمل مخيلته العديد من الآمال والأمنيات التي يرغب في تحقيقها، من بينها مواصلة التعليم العالي وصولاً إلى الدراسة الجامعية والالتحاق بإحدى الوظائف الحكومية ليستقل بدخل ثابت.
كما يمتلك الطالب المهذب “مدين عبدالله صالح”، شخصية تحب المشاركة في الفعاليات المجتمعية العامة، وفي الأنشطة المدرسية والعمل التطوعي، حيث استطاع بإصراره واجتهاده ومثابرته أن يحقق جزئاً هاماً من طموحه الغير متناهي ويحقق السعادة لنفسه، ولم تمنعه ظروف إعاقته الحركية من ذلك بل كانت الدافع القوي وراء تحدياته ليحقق وبجدارة السعادة المثالية لذاته، كيف لا وقد انعم الله عليه بعقل يفكر ووهبه إرادة وطموح وتفاؤل يصنع الكثير خاصة روحه التي لا تعترف باليأس ويتضح ذلك في ابتسامته التي لا تفارق وجهه والتي تحمل في خلفيتها معاني الإصرار والعزيمة لتجاوز المستحيل وتجاوز التحديات والمصاعب وتحقيق السعادة.
وتؤكد مديرة مدرسته الأستاذة صفية، بان الطالب “مدين”، يعتمد على نفسه في كل واجباته وإلتزاماته المدرسية، ونحن لا نعتبره طالب معاق، فالمعاق لدينا هو ذلك التلميذ العاجز والغير قادر على التحصيل والعطاء والإبداع العملي والفكري والمعرفي، والذي لايستطيع ان يقدم شيء لمجتمعه ووطنه، ومن هنا نجدد التأكيد بان كل ما يحتاجه الطلاب المنتمين لشريحة ذوي الاحتياجات الخاصة هو الدعم النفسي والمعنوي، ومنحهم الفرصة الكاملة لإثبات وجودهم، وأن ينظر لهم المجتمع النظرة الإيجابية والإنسانية.
ودعت الأستاذة صفية صالح سالم الحوشبي، جميع الهيئات والمنظمات الإنسانية المحلية والدولية، المهتمة بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، النظر إلى هذا الطالب النموذجي الذي لم تثنيه العراقيل، ودعمه وتشجيعه، لكونه استطاع رغم ظروفه الصعبة ان يقهر الإعاقة، وان يتغلب على الصعوبات في سبيل تحقيق حلمه بالدراسة والحصول العلوم والمعارف.