الاحتلال يعتدي على خمسيني من ذوي الإعاقة جنوبي الضفة بالضرب والسحل
سنابل الأمل /متابعات
لم يكن الفلسطيني يحيى البلاصي يشكل أي خطر على جنود الاحتلال الإسرائيلي، لم يكن يحمل سلاحاً، ولم يكن حتى قادراً على الركض أو الهرولة، فهو رجل من ذوي الإعاقة بالكاد يستطيع المشي، ومع ذلك، لم تشفع له إعاقته لدى جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين لاحقوه بلا سبب في أزقة مخيم الفوار، جنوب الخليل، جنوبي الضفة الغربية المحتلة، قبل أن ينقضوا عليه بوحشية ويدفعوه ليسقط أرضاً بلا حول ولا قوة، ثمّ ينهالوا عليه بالضرب على قدمه المصابة ويدوسوه بأرجلهم.هذا المشهد لم يكن واقعة عابرة، بل وثقته مقاطع مصورة نشرت أول أمس السبت، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ظهر جنود الاحتلال وكأنهم يطاردون مسلحاً خطيراً، وفق ما يقوله خضر البلاصي، شقيق يحيى، مستنكراً ما جرى مع شقيقه المعاق. ويضيف خضر بحسرة، متحدثاً لـ”العربي الجديد”: “شقيقي يحيى شخص صامت، لا يقوى على الكلام ولا النطق السليم، ومشيته المتثاقلة تكشف بوضوح وضعه الصحي، لكنه وجد نفسه فجأة في مواجهة لا تحتاج إلى كلمات، بينما التف حوله الجنود كوحوش تنهش فريسة ضعيفة”. يروي خضر ما جرى مع شقيقه قائلاً: “عند اقتحام الاحتلال شارع مخيّم الفوار الرئيسي، حاول الأهالي تحذير يحيى من اقتراب قوات الاحتلال، ورغم ضعف إدراكه، كان يحيى يميز وجود جيش الاحتلال عندما يشاهد المحال تُغلق والسيارات تُنقل بعيداً، فحاول الابتعاد متجهاً نحو منزلنا عبر طريق فرعي يبعد نحو 20 متراً عن باب المنزل، إلا أن الجنود طاردوه، رغم أن معظم عناصر مخابرات ودوريات الاحتلال العسكرية التي تقتحم المخيم على دراية بحالة يحيى الصحية، ومع ذلك لم يترددوا في الاعتداء عليه. لقد تمّ سحله وضربه بوحشية على مختلف مناطق جسده”.ويعاني يحيى، الذي تجاوز الخمسين من عمره، من وزن متثاقل، وإصابة في قدمه لازمته منذ صغره، وضعف في الإدراك الذهني، غير أنّ ذلك لم يمنع جنود الاحتلال من ضربه على قدمه المصابة التي كانت تجعله يعرج. كان يحيى يصرخ “يمّا، يمّا” محاولاً الاستغاثة بوالدته المتوفاة، لكن شدّة الخوف أفقدته السيطرة على نفسه فتبوّل لاإرادياً، وكان حينها يبكي بحرقة شديدة، وفق ما يقول شقيقه.في المقابل، كان جنود الاحتلال يشتمونه ويصيحون “اسكت، اسكت”، ويضربونه، رغم أن ملامح وجهه والتأتأة في كلامه تعبّران عن حاله. يقول خضر: “بالكاد ينطق يحيى ببضع كلمات، وكأنه طفل، كما أن تعابير وجهه تكشف كل شيء، حتى لو ألبسوه ربطة عنق، فإن ملامحه ستظل تميزه عن الآخرين، فهو يعاني من إعاقة ذهنية واضحة، ولكن آثار الضرب عليه توحي وكأنه كان يقاتل الجنود!”.ولم تتمكن عائلة يحيى من نقله لتقي العلاج في مركز طبي خارج المخيّم بعد وقوع الاعتداء، حيث استمر اقتحام الاحتلال للمخيم نحو خمس ساعات، رغم أن الكدمات وآثار الضرب عبر بساطير الاحتلال كانت واضحة على جسده، و”لذا اضطررنا لإحضار طبيب لعلاجه في المنزل”، كما يروي شقيقه. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يجد فيها يحيى نفسه هدفاً لاعتداءات الاحتلال، إذ إنه في الأشهر الأخيرة كان ضحية لثلاث هجمات متتالية، وكأن جسده المعاق واحة لتجارب اعتداءات الاحتلال. يقول شقيقه إنه قبل نحو عشرة أيام خلال كان يحيى موجوداً أمام مغسلة مركبات في المخيّم، فلمح مركبة عسكرية تقترب. ارتبك قليلاً، وابتعد، لكن الجنود ألقوا عليه قنبلة صوت، تلتها قنبلة غاز مسيّلة للدموع، وكاد الأمر أن يودي بحياته، وخاصّة أنه يعاني من مرضي ضغط الدم والسكري، ومع إعاقته يصعب عليه تحمّل ما جرى. الاحتلال يخنق الضفة الغربية بالحواجز… عقاب جماعيوتعود سلسلة اعتداءات الاحتلال بحقّ يحيى إلى أيام الانتفاضة الثانية قبل نحو 25 عاماً. يروي شقيقه حادثة اعتداء بحقّه قائلاً: “ذات مرّة كان يرتدي سترة اشتراها عليها شعار سلاح. كانت الأجواء باردة وماطرة جداً، ومع ذلك، مزّق الجنود سترته وضربوه، ثم ألقوه على الطين. كان الشارع كله موحلاً، فقام الجنود بالمشي عليه ومسح أقدامهم بسترته. طوال حياته كان يعاني من الاحتلال رغم أنه من ذوي الإعاقة”. ورداً على سؤال “العربي الجديد” بشأن سعي العائلة لمواجهة الاعتداء الإسرائيلي المتكرر بحقّ نجلها المعاق، يجيب خضر: “في إحدى المرات، سعينا إلى تقديم شكوى في محاكم الاحتلال، لكن جاءنا تهديد مبطن من الاحتلال يقول لنا بالحرف الواحد: من لديه مجنون، فليحتفظ به عنده!”. ويتابع خضر متسائلاً: “أي قانون يمكن أن يردع مثل هذا الاحتلال؟ هم أعلنوا منذ عام ونصف قانون الحرب، ووفقاً للقانون العسكري، لا يحق للمدنيين تقديم شكاوى أو المطالبة بحقوقهم، لأن الحكم هو حكم العسكر، والاحتلال دائماً يتعامل بهذه الطريقة. هذه دولة احتلال لا يوجد فيها قانون”.