سياسات واستراتيجيات تنقل ذوى الهمم من التهميش إلى الإنتاج

0 6

سنابل الأمل/ متابعات

فى السنوات الأخيرة، شهدت مصر طفرة حقيقية فى التعامل مع ذوى الهمم، لم تقتصر على الدعم الرمزى أو التقدير المجتمعى، بل امتدت إلى سياسات واستراتيجيات واضحة تستهدف التمكين الحقيقى، خاصة فى المجال الاقتصادى. فقد باتت قضية دمج وتمكين ذوى الاحتياجات الخاصة – أو “أصحاب الهمم” كما أطلق عليهم السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى – واحدة من القضايا الجوهرية التى تتصدر أولويات الدولة المصرية.

ويأتى هذا التوجه فى إطار رؤية أشمل تتمثل فى “رؤية مصر 2030″، التى تسعى إلى تحقيق تنمية شاملة ومستدامة، لا تُقصى أحدًا من فئات المجتمع، بل تفتح أبواب العمل والإنتاج أمام الجميع، انطلاقًا من مبدأ أن لكل إنسان قدرات كامنة تستحق الفرصة كى تثمر.

نموذج من أسيوط.. مبادرة واقعية للتمكين

ضمن هذا الإطار الوطنى، تأتى مبادرة محافظة أسيوط الأخيرة التى شهدت تسليم عدد من ماكينات الخياطة والتطريز الحديثة لعدد من الشباب والفتيات من الصم وضعاف السمع. وهى خطوة ليست رمزية أو دعائية، بل تعكس مسارًا عمليًا نحو التمكين المهنى والاقتصادى لهذه الفئة، التى عانت طويلًا من التهميش فى سوق العمل.

فبحضور اللواء الدكتور هشام أبو النصر، محافظ أسيوط، تم تسليم 11 ماكينة متنوعة، من بينها ماكينات سرفلة، مكواة بخار متطورة، وأجهزة متعددة الأغراض، إلى 9 فتيات وشابين من ذوى الإعاقة السمعية. لم تكن هذه الماكينات هدايا عشوائية، بل جاءت بعد تدريب مهنى مكثف استمر لمدة عام، خضع له المستفيدون، تلاه تقييم اجتماعى دقيق للتأكد من مدى استحقاقهم وجدوى الدعم.

وتأتى هذه الخطوة بالتنسيق بين المحافظة ومديرية التضامن الاجتماعى، وبمشاركة فاعلة من الجمعيات الأهلية، فى مثال عملى على تكامل الجهود بين الحكومة والمجتمع المدنى، وهو ما أكدت عليه رؤية المحافظ فى تصريحاته، حيث شدد على أهمية هذا التكامل لضمان وصول الدعم لمستحقيه الحقيقيين.

من الدعم إلى الاعتماد على الذات

واحدة من أهم النقاط التى ميّزت هذه المبادرة هى أنها لم تقتصر على تقديم معدات، بل سبقتها عملية إعداد وتأهيل، وهو ما يُشير إلى وعى عميق بأهمية “التأهيل قبل التمكين”. فتوفير ماكينة وحده لا يكفى إذا لم يكن المستفيد قادرًا على استخدامها وتحويلها إلى مصدر دخل فعلى ومستقر.

وبحسب تصريحات عدد من الفتيات المستفيدات، فإنهن يشعرن للمرة الأولى بأنهن قادرات على الإنتاج وتحقيق دخل مستقل، دون انتظار معونات أو مساعدات. البعض منهن بدأ بالفعل فى تجهيز ركن صغير داخل المنزل للعمل، والبعض الآخر يفكر فى تأسيس مشروع صغير مع زميلات أخريات، وهو ما يعنى أن دائرة التأثير الإيجابى تتسع تدريجيًا.

الدولة.. نظرة شاملة نحو ذوى الهمم

لا تقتصر جهود الدولة على مبادرة واحدة أو محافظة بعينها. فالرئيس عبدالفتاح السيسى أعلن مرارًا عن التزامه الشخصى والحكومى بدعم ذوى الهمم، وتم إعلان عام 2018 عامًا لهم. وتوالت بعدها الإجراءات، من إصدار قانون حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة، إلى إطلاق عدد من المبادرات القومية الخاصة بالتشغيل والتدريب.

وشهدت السنوات الأخيرة إدماج ذوى الهمم فى كافة القطاعات، سواء عبر تخصيص نسب لهم فى التعيينات الحكومية، أو دعمهم بمشروعات صغيرة ضمن برامج مثل “مشروعك” و”تنمية الأسرة” و”تكافل وكرامة”، إلى جانب جهود وزارتى التضامن الاجتماعى والقوى العاملة، فى تأهيلهم لسوق العمل، خاصة فى مجالات الحرف اليدوية والخياطة والتطريز والخدمات العامة.

التحديات باقية.. لكن الأمل أقوى

ورغم هذه الإنجازات، لا تزال هناك تحديات قائمة، على رأسها ضعف الوعى المجتمعى أحيانًا بقدرات ذوى الهمم، وصعوبة اندماج بعضهم فى سوق العمل المفتوح، لكن ما يُحسب للدولة أنها لا تتجاهل هذه التحديات، بل تعترف بها وتسعى لمعالجتها بخطوات متتالية، كما أن النجاحات الجزئية، مثل مبادرة أسيوط، تُعد محفزًا قويًا للاستمرار وتكرار التجربة فى باقى المحافظات، مع تطوير الأدوات والاستفادة من الملاحظات.

اليوم السابع

 

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق