الذكاء الاصطناعي ودعم التلاميذ ذوي صعوبات التعلّم

0 4

سنابل الأمل / متابعات

يشكّل دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم اليوم تحولًا جذريًا في طرق التدريس والتعلّم، خاصة حين يتعلق الأمر بالتلاميذ الذين يواجهون صعوبات تعلم متنوعة. فبينما تتسارع وتيرة التطور التقني، تبرز الحاجة إلى أن يبقى التعليم متمحورًا حول الإنسان لا الآلة.وفي هذا السياق، تحدثت الأستاذة والباحثة التربوية رويدا فواز، المتخصصة في دمج التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في التعليم، خلال حديثها لـ “النهار” عن كيفية توظيف هذه التقنيات لبناء خطط تعليمية فردية تراعي الفروق بين المتعلمين، وتدعم المعلم بدل أن تحلّ مكانه.

 

خطط تعليمية مخصصة

تؤكد فواز أن السؤال الأهم الذي يجب أن يطرحه المعلم هو: “كيف نجعل تلميذًا واحدًا على الأقل يتعلم بشكل أفضل؟”، مشيرة إلى أن هذا المبدأ هو جوهر العملية التعليمية.

وتوضح أن الذكاء الاصطناعي يسهم بفاعلية في تصميم خطط تعليمية فردية تراعي احتياجات التلاميذ ذوي الصعوبات المختلفة.وتضيف أن التقنيات الحديثة تمكّن كل متعلم من الوصول إلى المحتوى بطرق تناسب قدراته؛ فالطالب الكفيف يستفيد من الرؤية الحاسوبية (Computer Vision) لتحويل الصور إلى شرح صوتي، والطالب الأصم من تحويل الكلام إلى نص (Speech-to-Text)، فيما تساعد تقنيات تحويل النص إلى كلام (Text-to-Speech) التلاميذ الذين يواجهون صعوبات في القراءة.وترى فواز أن هذه الأدوات لا تحل محل المعلم، بل تمنحه رؤية أوضح لقدرات طلابه عبر تحليل البيانات حول أدائهم وسلوكهم لتحديد نقاط القوة والضعف واقتراح الأنشطة المناسبة.

وتوضح أن الأنظمة الذكية قادرة على اقتراح نصوص صوتية وتمارين تكرار لتحسين الطلاقة القرائية بسرعة ملموسة، مشددة على أن القيمة الحقيقية تكمن في الجمع بين التحليل الذكي والنظرة الإنسانية التي تدرك أن لكل تلميذ قدرته الخاصة على التعلّم.أدوات تعلّم ذكية

 

توضح فواز أن المنصات الحديثة لا تكتفي بعرض المحتوى، بل تراقب سلوك المتعلم وتتكيّف مع أدائه.

 

وتذكر أن من أبرز هذه الأدوات Project Read AI التي تعتمد على مبادئ “علم القراءة”، وأدوات WordQ وSpeakQ التي تدعم طلاب عسر الكتابة باقتراح الكلمات وقراءة النص بصوت واضح، وأداة BeeLine Reader التي تستخدم تدرجًا لونيًا لتوجيه حركة العين أثناء القراءة.

 

وفي الحساب، تشير إلى منصات DreamBox وALEKS القائمة على التعلم التكيفي وضبط مستوى الصعوبة حسب أداء الطالب.

 

وتنبه فواز إلى أن معظم هذه الأدوات متاحة بالإنجليزية فقط، داعية إلى تطوير أدوات مشابهة تدعم اللغة العربية بخصوصياتها الصوتية والخطية، إذ تختلف صعوبات القراءة والكتابة بالعربية عن تلك الموجودة في اللغات الأخرى.تشخيص مبكر ودقيق

 

تقول فواز إن الذكاء الاصطناعي أحرز تقدمًا في التشخيص المبكر لصعوبات التعلم عبر تحليل مؤشرات دقيقة يصعب على الإنسان ملاحظتها، مثل الأخطاء الصوتية أو بطء الاستجابة.

 

لكنها تؤكد أن هذه الأنظمة لا تقدّم تشخيصًا نهائيًا، بل تنبيهًا مبكرًا يساعد على التدخل في الوقت المناسب. وتضيف: “الذكاء الاصطناعي يمنحنا إنذارًا أوليًا، لكنه لا يغني عن المعلم الذي يفسر النتائج ويضعها في سياقها.”

 

وترى أن الجمع بين دقة الأدوات الذكية والحس التربوي الإنساني هو ما يجعل هذه الأنظمة مفيدة وآمنة، مؤكدة أن التوازن بين التقنية والخبرة البشرية هو الضمان الحقيقي لنجاح أي نظام تعليمي.تقويم وتكييف مستمران

 

تشير فواز إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تتابع تقدم التلميذ لحظة بلحظة وتكيّف المحتوى تلقائيًا وفقًا لاحتياجاته، لكنها تحذر من التحيزات اللغوية والثقافية، وظاهرة “الهلوسات” المعلوماتية التي قد تنتج عنها إجابات غير دقيقة، إضافة إلى مخاطر الخصوصية الناتجة عن التعامل مع بيانات حساسة كالأداء الدراسي أو التسجيلات الصوتية.

 

وتلفت إلى أن أي خلل في حماية هذه البيانات قد يؤدي إلى استخدامها لأغراض غير تربوية، ما يشكّل خرقًا أخلاقيًا واضحًا. وتؤكد أن نجاح هذه الأنظمة مرهون بضوابط أخلاقية صارمة وبقاء المعلم في مركز العملية التعليمية، لضمان المساواة في الوصول وعدم تهميش أي فئة من المتعلمين.المعلم في قلب العملية

 

تشدد فواز على أن الذكاء الاصطناعي في التربية الخاصة يجب أن يُستخدم كأداة داعمة لا بديلة، فهو يخفف الأعباء الروتينية ويمنح المعلم وقتًا أكبر للتفاعل الإنساني.

 

وتشير إلى أنه يمكن لهذه التقنيات إعداد أنشطة متعددة المستويات واقتراح استراتيجيات بديلة، موضحة أن “استخدام أداة ذكاء اصطناعي لتوليد تمارين تعبيريّة بثلاثة مستويات قد يوفّر نحو 45 دقيقة من التحضير يمكن استثمارها في التواصل مع الطلاب.”

 

وتختم فواز حديثها بالتأكيد على أن الذكاء الاصطناعي لا ينبغي أن يُنظر إليه كبديل عن المعلم، بل كوسيلة تمنحه وقتًا أعمق للفهم والمتابعة، وتساعده على بناء بيئة تعليمية قائمة على التعاطف والفهم الشخصي، لأن التعليم — كما تقول — يظل في جوهره فعلًا إنسانيًا قبل أن يكون تقنيًا.

النهار

 

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق