سنابل الأمل/ متابعات
لا يلاحظ الوالدان أحيانًا طريقة تعاملهم مع أبنائهم بفعل ضغوطات الحياة، وكلّ سعيهم في الدنيا ينصبُّ لتوفير حياة آمنة يستطيعون فيها تلبية احتياجات الطفل الفسيولوجية، متناسين الحاجة الأهم في الرعاية النفسية وما تتضمنها من مشاعر الحب والاهتمام وغيرها، ليقع الطفل ضحية إهمال عاطفي لا تقتصر آثاره على مرحلة الطفولة فقط بل تمتد إلى ارتكابه أخطاء مستقبلية. تقول رولا نصر وهي أم لثلاثة أبناء: إنها تدرك اختلاف الشخصيات بين أبنائها الثلاثة بفعل تباين اهتماماتها النفسية بهم عن غير قصد، “فابني الأول شخصيته قوية، كنت متفرغة للاهتمام به من مختلف الجوانب خاصة النفسية، فنَمَتْ شخصية مختلفة عن أشقائه من بعده بفعل الانشغالات والمسؤوليات”. وتشير إلى انتباهها لبعض المشاكل عن طفلها الثالث خاصة دفعها لإعادة التفكير بأسلوب تعاملها وإهمالها عواطفه، وبذلها جهدًا لمضاعفة الوقت الذي تمضيه معه من أجل تعديل بعض سلوكياته التي طغت على شخصيته. وفي مقال نشره للطبيب النفسي كمبرلي هولاند: يحدد الفارق بين الإساءة العاطفية في الطفولة والإهمال العاطفي، فالإساءة غالبًا ما تكون مقصودة، فهي اختيار محدد للتعامل بضرر وإساءة، أما الإهمال فهو فشل في التصرف أو في فهم احتياجات الطفل. وعلى سبيل المثال أن يأتي طفل ليبلغك أنه حزين لأجل صديقه المقرب في المدرسة، فيتجاهل الوالدان مشاعر الابن، ويتعاملان مع الأمر كأنه لعبة، في حين أنّ الأمر في الواقع أكبر من ذلك بكثير، ومثل هذه التصرفات تدفع الطفل إلى عدم الإفصاح عن مشاعره واحتياجاته مرة أخرى. يؤكد هولاند في مقاله أنه بالرغم من كون الإهمال العاطفي غالبًا ما يكون غير متعمد، ويرتكبه الآباء بحسن نية، وربما عانى أغلبهم من الإهمال ذاته في صغرهم، لكنّ هناك بعض السمات والخصائص الأبوية التي تُسبّب الإهمال العاطفي المُتعمّد، وينقسم الآباء في هذه الحالة إلى عدة أنواع: الآباء المستبدون، والمتساهلون، والمثاليون، والغائبون، والنرجسيون. الأنماط الأبوية من جهته، يتحدث الاختصاصي الاجتماعي إياد الشوربجي أنّ الإهمال العاطفي يتمثّل في عدم احترام الوالدين لمشاعر الطفل وعدم الاهتمام بعواطفه والاستهانة فيها، وعدم تلبية احتياجاته والتقليل من شأنها وقد يصل الأمر إلى الإساءة بالطفل، وقد يكون هذا الإهمال العاطفي للطفل مقصودًا أو غير مقصود من الوالدين. ويوضح أنّ من أسباب الإهمال العاطفي أحيانًا تعرُّض بعض الآباء لإهمال من ذات النوع في طفولتهم وتجاهُلهم، وبالتالي إسقاطها على أطفالهم، فلا يعرفون كيف يتم تطبيقه مع أبنائهم لأنهم عاشوا ذات الظروف، إضافة إلى ضغوط الحياة والأعباء المختلفة، والغياب الطويل للأب عن البيت، وانشغال الأم باستمرار عن أطفالها بفعل المسؤوليات الكثيرة التي تقع على عاتقها خاصة إذا كانت عاملة، بالكاد تستطيع تلبية احتياجات أبنائها الأساسية. ويشير الشوربجي إلى المشاكل الأسرية والخلافات بين الزوجين التي تنعكس على الطفل، فالجو المشحون بين الأبوين يعد بيئة غير سوية للتربية تؤثر في مشاعر الأبناء، “ومن الأساليب التي تعد إهمالًا عاطفيًّا تجاهل احتياجات الطفل وبكائه، وإهمالهم لصراخه واستخدام الوالدين عبارات سلبية مع الطفل أنت غبي وضعيف وفاشل، والبحث عن أخطائه وتحميله المسئولية والتعنيف الدائم له”. عواقب وآثار ويُبيّن الشوربجي عواقب وآثار الإهمال العاطفي التي تظهر على هيئة أعراض في شخصية الطفل، كالكآبة والقلق، واللامبالاة، والفشل في الازدهار، وتأخر النمو. ويلفت إلى أنّ الأطفال الذين تعرضوا لإهمال عاطفي يميلون للعدوانية وإيذاء الأقران في البيئة المحيطة، وبالتالي الصورة السلبية للطفل عن ذاته تنعكس على الآخرين عبر تفريغه للمشاعر، وفي المستقبل نجد بعضهم يميل إلى العزلة والعدوان والانتقام من الآخرين، ونظرة سوداوية للحياة، ويعاني فراغًا عاطفيًّا، إذ لا يثق بالآخرين ولا يحب التعامل معهم. ويلفت الشوربجي إلى أنّ من العلامات التي تظهر على الطفل الذي يتعرض لإهمال عاطفي، تدنّي صورة الطفل عن نفسه، ويرسم صورة سيئة عنه وأنه ضعيف الشخصية، ويُشكّك بشكله، ويشعر بالخجل ويكون سريع الارتباك، ولا يحب الاختلاط بالآخرين، ويسهل السيطرة عليه، وقد يُعاني مشاكل في النطق والتأتأة وغيرها من المشاكل التي قد تظهر في الانتباه والتركيز وتراجع المستوى الدراسي. ويُوجّه نصيحته للوالدين بأن يُميّزوا بين التربية والرعاية والعمل على تلبية احتياجاته النفسية والأخلاقية وغيرها، والاهتمام والتفرُّغ للطفل وفتح حوار معه وعدم تجاهل مشاعره، وتفهُّم احتياجاته ليشعر بأنه كيان له اهتمامه.
فلسطين اون لاين