سنابل الأمل/ متابعه
بلغة الأرقام يقدر عدد ذي الإعاقة بمختلف أنواعها في اليمن بحوالي 4.8 مليون شخصٍ وفق أرقامٍ للأمم المتحدة، وقبل بداية الحرب 2014 كان العدد يقارب ثلاثة ملايين، وترجع هذه الزيادة الواضحة إلى تراجع قدرات منظومة القطاع الصحي، وعدم إمكانيه الوصول للخدمات الصحية، فضلًا عن آلاف الإعاقات المتفاوتة التي تسببت فيها إصابات أغلبها فقد للأطراف العلوية أو السفلية، كما لا يفوتنا أن كثيرًا من الحالات في المناطق الريفية لا تُسجل، فعلى سبيل المثال حالات الإعاقة السمعية جزئيًّا أو كليًّا لا تُسجل، ويتعامل معها الناس على أنها حالات طبيعية رغم تأثر أصحابها، لا سيما فيما يخص التعليم الذي قد يتعثر أو يتوقف ذو الإعاقة السمعية عنه تمامًا.يعاني ذوو الإعاقة من الظلم والتعسف والحرمان حتى من قبل بداية الحرب في اليمن، من الأسرة والمجتمع والدولة، وهذا التعسف ليس مقصودًا بذاته بقدر ما هو نابع من عدم الوعي بحقوق ذوي الإعاقة، فهناك قصور واضح في وعينا أفرادًا ومجتمعًا، الكل يتعاطف مع ذوي الإعاقة، ولا نعرف كم يؤذيهم هذا التعاطف أو الإشفاق. ترجع بي الذاكرة حوالي عشرين عامًا كنت حينها أعد برنامجًا إذاعيًّا يتناول قضايا ذوي الإعاقة، وطلبت حينها من الأستاذة جمالة البيضاني – رحمة الله تغشاها – عمل لقاء، لكنها رفضت لقناعتها بعدم جدوى اللقاءات؛ لأن ذوي الإعاقة لا يجدون أي فرق، ولأن الإعلاميين يتناولون قضاياهم لسد فراغ أو تماشيًا مع التناول المناسباتي، وبعد أخذ ورد قبلت وبدأنا تسجيل اللقاء، كان الهم هو الهم، والمشاكل هي المشاكل، والشكوى هي الشكوى التي نسمعها اليوم من ذوي الإعاقة، وبدا لي ذلك اليوم كما هو اليوم: إن ذوي الإعاقة الناشطين في مجال حقوفهم هم الأكثر وعيًا بحقوقهم والنضال في سبيلها.يوم اللقاء تحدثنا عن قضايا كثيرة، وفي ختام اللقاء تركتُ لها الكلمة لتختتم البرنامج، ساعتها قالت: لا نريد شفقة، لا نريد تعاطفًا، لا نريد صدقات، نريد حقوقنا، نريد تمكينًا، نريد وعيًا بقضايانا، وعملًا على تيسير حياتنا ، وتمكيننا من الوصول للخدمات والحقوق، وبكل الصدق الذي يمكننا أن نسمعه من إنسان يؤمن بقضيته قالت: كثير علينا؟ وبجملتها الأخيرة التي ختمتها بهذا التساؤل، اخترت يومها أن أفتتح الحلقة بلا مقدمة أو ديباجة ليكون الرد على لسان مذيعة البرنامج الأستاذة الكبيرة فائدة اليوسفي: ليس كثيرًا عليكم فهذه حقوق وليست هبات.نص القانون رقم (61) لسنة 1999م بشأن رعاية وتأهيل المعاقين على كل ما من شأنه كفالة الدستور والقوانين النافذة لحقوق ذوي الإعاقة، وضمان تأهيلهم بدون مقابل والاستفادة من برنامج التأهيل المهني والرعاية الاجتماعية التي تقدمها مؤسسات ومراكز دور رعاية وتأهيل ذوي الإعاقة، وضمت مواد القانون تفاصيل تتعلق بمسؤولية الدولة بكل وزاراتها في تأهيل وتدريب وتمكين وتوظيف ذوي الإعاقة، إضافة لمنح التسهيلات الكبيرة لهم وللجهات المعنية برعايتهم وتأهيلهم، بما فيها الإعفاء الضريبي والجمركي للأجهزة والمعدات الطبية والتأهيلية الخاصة بهم وبالجهات التي تقدم لهم الخدمات المختلفة، كما تعطي مواد القانون الأولوية لهم في حالات كثيرة في التأهيل والتعليم وفرص العمل، ومنحتهم العديد من الامتيازات التي من شأنها تسهيل حياتهم مثل أحقيتهم في تخفيض يصل إلى 50% على تذاكر السفر، ويلزم القانون الجهات المختلفة بتوفير الاحتياجات والتجهيزات اللازمة وإزالة الحواجز التي تعيق حركة سير ذوي الإعاقة، وتوفير الوسائل الإرشادية لتسهيل حركة سيرهم وتأمين سلامتهم، ووفقًا للقانون تُخصص لذوي الإعاقة الحاصلين على شهادات تأهيل نسبة (5%) من مجموع الوظائف الشاغرة بالجهاز الإداري للدولة ووحدات القطاعين العام والمختلط، كما نصت المادة (29) من القانون على أن تقوم الوزارة بتطوير استراتيجية وطنية للتأهيل المجتمعي.
على أرض الواقع المشهد مأساوي في ما يخص ذوي الإعاقة، فكل تدنٍ في الوضع الاقتصادي والاجتماعي في اليمن بفعل الحرب وتعطل عجلة الاقتصاد وتأثر المنظومة الصحية والتعليمية والأمنية يقابله تدنٍ أكبر بكثير بين ذوي الإعاقة، فقد دفع ذوو الإعاقة خلال سنوات الحرب ثمنًا باهضًا أكثر من غيرهم، حيث تعرضت مراكزهم ومؤسساتهم للحرق والنهب والسطو المسلح، وحتى القصف المدفعي والقصف بالطيران، كما وثق ذلك “المركز الإعلامي لذوي الإعاقة” في عدة تقارير، كما أن حالات الإعاقة تزايدت بشكل كبير في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وشحة الموارد المخصصة لمؤسساتهم، واستمرار توقف الضمان الاجتماعي للعام الثامن على التوالي، فيما ألغت منظمة اليونيسيف الزيادة التي كانت قد أقرتها على المساعدات النقدية الطارئة أثناء جائحة كوفيد 19، وعلاوة على ذلك فقد الكثير من ذوي الإعاقة وظائفهم ومنازلهم بسبب استمرار النزوح، وتقول منظمات محلية ودولية أن نسبة الفقر بين ذوي الإعاقة في اليمن تتجاوز 90% منهم، كما أن ذوي الإعاقة في المناطق الريفية ما يزالون محرومون من أبسط الخدمات الأساسية فقد فاقمت الحرب التي تسببت بواحدة من “أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم”، بحسب توصيف الأمم المتحدة، من معاناة ذوي الإعاقة في ظل انهيار شبه كلي للخدمات والنظام الصحي في البلاد.
نعي تمامًا أننا نمر بظروف هي الأسوأ، وأن كل جوانب حياتنا تأثرت كثيرًا بشكل أثقل كاهل الجميع، لكن الحقيقة الماثلة أمام ضمائر الجميع أن ذوي الإعاقة أشد تأثًرًا، وبالمقابل أشد احتياجًا لأن يكونوا أولوية، لا أقول هذا لإثارة الشفقة أو التعاطف فليس هذا ما يحتاجونه، ولن يخفف عنهم ما يعانونه، وعندما أقول أولوية أقصد أولوية في الاهتمام، في التمكين، في التيسير والتسهيل، وليس الإلغاء والتأجيل، وفي المحصلة فذو الإعاقة هو فرد في أسرة من المهم أن تسعى الأسرة لدعمه وتمكينه، وهو فرد في المجتمع، على المجتمع أن يتخلى عن نظرة الشفقة والتعاطف ويستبدلها بنظرة المسؤولية والاقتناع بالحق في الفرص والتمكين، في التأهيل والتدريب، وتيسير الحياة، وفي ظل الحرب والصراع لن نعول على الدولة بقدر ما نعول على الوعي المجتمعي والمسؤولية المجتمعية التي يمكن أن يكون لها الدور الأكبر في تحسين أوضاع ذوي الإعاقة في المجتمع الذين تتراوح نسبتهم بين 13، 15% من السكان، وبدون هذا الدور والمسؤولية فإن إعاقة ذوي الإعاقة إعاقة لنا جميعًا.
*بلقيس محمد علوان*
أكاديمية وكاتبة يمنية
صحيفة اليمني الأمريكي