سنابل الأمل / متابعات
يلفت انتباه زوار المعرض الجهوي للصناعة التقليدية، الذي تحتضنه المدينة الحمراء، إلى غاية 30 يوليوز الجاري، حضور شخصين كفيفين بأحد الأروقة، يسوقان ببراعة قل نظيرها، منتجات تعاونية متخصصة في إنتاج مواد للتجميل.
ويبدو للوهلة الأولى أن الشابين أسامة آين ناصر، وإبراهيم آيت الحاج، الواقفان وهما يضعان نظارتين سوداوين، قدما إلى المعرض من أجل اقتناء منتوج ما، لكن سرعان ما يتبين أنهما صاحبي تعاونية، وهما يحاولان إقناع كل من تطأ قدماه رواقهما من أجل اقتناء أحد منتجات التعاونية أو أكثر.
أسس أسامة وإبراهيم، تعاونية (أزدين لمواد التجميل الطبيعية)، في أواخر سنة 2018، بعد أن راكما تجربة تناهز عقدا من الزمن في تسويق منتجات تعاونيات أخرى، فقررا أن يخوضا مغامرة محفوفة بالمخاطر، وإنشاء مشروع خاص بهما.
فتعاونية (أزدين)، التي تشغل 5 أشخاص مكفوفين، علاوة على شخصين آخرين يتمتعان بكامل صحتهما، يوجد مقرها بمدينة مراكش، تنتج زيوتا نباتية خاصة بالتجميل، تصل إلى حوالي 30 نوعا من الزيوت، منها زيت السمسم وزيت الأركان وزيت الزعتر وزيت الخروع وزيت الصبار، وغيرها، إلى جانب إنتاج الصابون.
وفي بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء، تحدث أسامة وإبراهيم عن المهام اليدوية التي يقومان بها داخل التعاونية، حيث قال أسامة، بنبرة تنم عن ثقة في النفس، إن “هناك العديد من المهام التي نقوم بها، مثل تقطير الزيوت باستعمال آلة موجهة لهذا الغرض، وتوضيب الصابون”.
وأضاف أسامة “أعرف أن من يسمع أن شخصا كفيفا يقوم بتقطير الزيوت وتهيئة صابون التجميل، يدويا وآليا، قد يصاب بالدهشة، لكننا خضنا هذا التحدي ونجحنا فيه”، مشيرا إلى أنهما يستعينان في بعض المهام بخدمات مساعدين أصحاء، لهم تجربة وخبرة في هذا المجال.
ولا يكتفي أسامة وإبراهيم بالعمل داخل التعاونية، بل يقومان أيضا بتسويق منتجاتها والبحث عن زبائن جدد ومخاطبة الجهات المعنية من أجل المشاركة في المعارض سواء على الصعيد الجهوي أو الوطني.
وبحسب أسامة فإن هذه التعاونية “هي الأولى من نوعها للمكفوفين الذين يصنعون مواد التجميل في المملكة”، مضيفا أن “هذا الأمر يلقي على عاتقنا حملا ثقيلا من أجل تشريف هذه الفئة من المجتمع، وإبراز قدرات الأشخاص المكفوفين في رفع التحديات التي تواجههم”.
وشدد على أن التعاونية تحرص على الحفاظ على سمعتها في السوق الوطنية، والمشاركة باستمرار في المعارض وكسب ثقة غرف الصناعة التقليدية، التي توفر فرص المشاركة في تظاهرات من هذا القبيل، على الأصعدة المحلية والجهوية والوطنية.
من جهته، ذكر إبراهيم، الذي له أخوان كفيفان يشتغلان بدورهما في هذه التعاونية، بأنه سبق لهذه الوحدة أن شاركت في العديد من المعارض الجهوية والوطنية، مما شكل فرصة سانحة للتعريف بها وبمنتجاتها، وساهم، كذلك، في نسج شبكة علاقات قوية.
وأكد إبراهيم أن الإرادة والعزيمة حفزتهما على إنشاء تعاونية والعمل دون كلل أو ملل من أجل انجاحها وتكسير الصورة النمطية عن الأشخاص المكفوفين، مشيرا إلى أن “التعاونية تشكل مورد رزق لنا كما ساعدتنا على المساهمة في تغيير هذه الصورة عن شريحة من المجتمع تساهم هي الأخرى قدر الإمكان في الجهود التنموية بالمملكة”.
واستحضر إبراهيم المراحل الأولى لإنشاء التعاونية، بداية بمخطط المشروع مرورا باقتراحه على الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، وصولا إلى تأسيس التعاونية وتكوين فريق عملها، داعيا الشباب عموما إلى أخذ زمام المبادرة واستغلال الفرص العديدة، المتاحة أمامهم.
وكشف إبراهيم أن التعاونية استفادت من دعم مالي وفرته المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وكذا من المنظمة العلوية لرعاية المكفوفين، كما أن التعاونية تلقت دعما من غرفة الصناعة التقليدية، والغرفة الفلاحية لجهة مراكش – آسفي.
كما يستثمر هذان الكفيفان العصاميان ما توفره التكنولوجيا في فتح آفاق أرحب في مجال التسويق، حيث يديران صفحات التعاونية على شبكات التواصل الاجتماعي عبر تطبيق يقرأ آليا الشاشة سواء في الهواتف الذكية أو في الحاسوب.
أسامة وإبراهيم يوجهان رسالة مفادها أنه يمكن التغلب على التحديات والمعيقات، وأن “الإعاقة الحقيقية هي إعاقة الإرادة والعزيمة”، رغم أن الطريق ليست مفروشة بالورود.
وأسر أسامة، في السياق نفسه، بأن الشخص الكفيف يواجه العديد من التحديات، لكنه يتصدى لها بعزيمة وإصرار، ويشعر عند تخطيها بمتعة خاصة، مبرزا أن العديد من الزبناء يتفاجؤون بكفيفين يعملان في تعاونية ويسوقان منتجاتها في المعارض لكنهم سرعان ما يدركون أنهم أمام شخصين عصاميين يشقان طريقهما بثبات نحو النجاح.
ويجمع أسامة وإبراهيم على أن هدفهما من المشاركة في المعرض يتمثل في تسويق منتجات التعاونية وإيصال رسالة للزوار مفادها أن الشخص الكفيف قادر شأنه في ذلك شأن الأشخاص العاديين على الولوج إلى عالم ريادة الأعمال وتدبير المقاولات.
وخلصا إلى أن التعاونية توفر مورد رزق ليس فقط للمكفوفين، حتى لا يظلوا على الهامش، بل حتى للأصحاء، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، مضيفين أن التعاونية تساهم قدر المستطاع في عجلة الإنتاج بالمملكة
كش24