سنابل الأمل / متابعات
هم أطفال، لكنهم فى عالم خاص جداً، ويشكلون أحلامهم فى هذا العالم بمفردات خاصة تحتاج منا فقط إلى أن نفهمها ونترجمها بشكل صحيح.. هم أطفال مرض التوحد الذى جسدته الدراما مؤخراً من خلال مسلسل “حالة خاصة”، وفى هذا المسلسل رأينا أن الشخص المتوحد من الممكن أن يكون شخصا عبقريا. “الإذاعة والتليفزيون” التفت الدكتور “أحمد البكرى” صاحب كتاب “أيامى مع التوحد”، وهو باحث حاصل على درجة الماجستير فى تنمية مهارات التواصل لذوى اضطراب الطيف التوحدى، ويعد “أحمد البكرى” حالياً لمناقشة رسالة الدكتوراه فى العلوم الاجتماعية فى نفس المجال، كما يشغل منصب المدير الفنى فى العديد من مراكز تدريب وتأهيل ذوى الهمم معتمداً فى ذلك على خبرة مستمرة لأكثر من 13 عاما فى العمل مع ذوى اضطراب الطيف التوحدى وذوى الهمم، الأمر الذى كلل مؤخراً بصدور كتابه “أيامى مع التوحد” الذى يعالج أهم وأغلب المشكلات الاجتماعية والنفسية التى يعانى منها أطفال مرض التوحد وعائلاتهم فى المجتمع المصرى.
حاولت فى هذا الكتاب أن ألخص خبرة أكثر من 13 عاما فى العمل مع أطفال اضطراب الطيف التوحدى، والتعامل كذلك مع أسرهم لعرض أهم المشكلات التى تواجههم داخل المجتمع المصرى، كما حاولت التفكير بالطرق التى يفكر بها الأطفال التوحديين لتوضيح صورة أفضل للجميع عن حياة هذا الطفل التوحدى الذى يستطيع أن يفكر بقلبه ثم عقله، وذلك لكى أوصل رسالة للجميع وهى أن الحياة مع أطفال التوحد ليست معاناة فقط لكنها تشمل كذلك الكثير من التحديات والكثير من الإثارة والمتعة، فأطفال اضطراب الطيف التوحدى يستطيعون أن يخرجوا من عالهم الخاص إلى العالم الخارجى فقط عندما نفكر كما يفكرون، وأن نتبع الطرق التى تتناسب معهم وليست الطرق التى تتناسب معنا.
وما هو اضطراب الطيف التوحدى؟
يُعرف اضطراب الطيف التوحدى بأنه اضطراب نمائى شامل يظهر خلال السنوات الأولى من حياة الطفل ويؤثر تأثيرًا شاملًا على كافة جوانب نموه المعرفية والانفعالية والاجتماعية مع وجود قصور واضح فى عملية التواصل والتفاعل الاجتماعى، ويصاحبها سلوكيات نمطية متكررة وعادة يحدث بنسبة كبيرة فى الذكور عن الإناث.
وما هى أهم أعراض ذلك المرض؟
تشمل الخصائص الأساسية لاضطراب الطيف التوحدى على.. ضعف التواصل والتفاعل الاجتماعى وظهور العديد من السلوكيات المتكررة والنمطية، فتلك الأعراض تميز اضطراب الطيف التوحدى عن غيره من الاضطرابات النمائية الأخرى، لكنها لا تمثل جميع المشكلات التى يعانى منها الأطفال التوحديين بل جزء منها، فالكثيرون يعتقدون أن اضطراب الطيف التوحدى مرض يصاب به الأطفال عن طريق الاختلاط بالأطفال التوحديين أو عن طريق إهمال الأسرة لطفلها وكأنه مرض معد، لكن هذه معتقدات خاطئة، فهناك الكثير من الدراسات والأبحاث التى أثبتت أن اضطراب الطيف التوحدى هو اضطراب وليس مرضا، ولا يصاب به الأطفال نتيجة عدوى ما معينة ولا ينتج عن إهمال الأسرة لطفلها.
وما أهم أسباب الإصابة بهذا الاضطراب؟
هناك الكثير من الافتراضات التى وضعتها الدراسات العلمية لتوضيح الأسباب الرئيسية لظهور اضطراب الطيف التوحدى، منها الخلل فى بعض الجينات الوراثية، ومنها زواج الأقراب، ومنها تناول الأم للكثير من الأدوية والعقاقير أثناء فترة الحمل، وكثير من الأشياء الأخرى، لكنها مازالت تحت الدراسة ولم يتم تحديد سبب معين حتى الآن.
ما الفكرة الأساسية التى حرصت على عرضها فى كتابك “أيامى مع التوحد”؟
الفكرة الرئيسية للكتاب أن نمنح الطفل المصاب بالتوحد فرصة للتحدث عن أيامه مع التوحد ورحلته منذ فترة طفولته، وبالضبط منذ اليوم الأول لولادته حتى العام السادس من حياته، وذلك لينقل للجميع الآمال والأمنيات والأحلام التى يعيشها وتتمنى أسرته أن يعيشها خلال حياته، كما يتناول الكتاب العديد من القضايا والمشكلات والعقبات التى تواجه أسر الأطفال التوحديين، ويوضح الكتاب كذلك بعض الأمور تجب على كل أسرة، خاصة لأم الطفل التوحدى، خاصة فى الأشهر الأولى من حياة الطفل، كما يوضح الكتاب السلوكيات التى يراها أى شخص فيكتشف أن طفله مختلف عن الآخرين، ويوضح كذلك الأشياء التى يجب أن تتبعها أسرة الطفل التوحدى حتى تتبع المسار الصحيح للخروج بطفلها من عالم التوحد.
“أيامى مع التوحد” كتاب ينقل كذلك العديد من التجارب التى مرت بها الكثير من أسر الأطفال التوحديين ومعاناتهم، ويبين كثيرا من الآراء المختلفة والمتناقضة حول تشخيص الطفل وطرق علاجه بعيداً عن الأوهام والضلالات التى تكتنف العديد من الأسر حول هذا الاضطراب، كما يبين الكتاب طرق الحيطة والحذر من الوقوع فى فخ النصب ممن يدعون أنهم متخصصون فى علاج التوحد، فالعمل مع أطفال التوحد يجب أن يكون فى مؤسسات وأطباء وإخصائيين ومراكز تأهيل مختلفة فقط، ويجب على الجميع أن يقرأ الكثير عن اضطراب الطيف التوحدى من مصادر موثوق منها، ويسمع ممن لديهم خبرات كثيرة من أسر الأطفال التوحديين الآخرين ويستفيد من تجاربهم المختلفة.
وبماذا يختلف أطفال اضطراب الطيف التوحدى عن غيرهم من الأطفال؟
الأطفال المصابون باضطراب الطيف التوحدى يختلفون عن الأطفال الآخرين فى أمور عديدة، لكنهم يتشابهون فى نفس الصفات كلها، هى فقط الاستجابات قد تكون مختلفة، مع العلم أن لكل منهم ما يميزه من أعراض عن غيره، لكنهم متقاربون جدا أكثر مما يتخيل أحد، وذلك مهما ازدادت أو قلت حدة الأعراض.
وما هى الخطوات التربوية الصحيحة التى يجب اتباعها مع طفل التوحد؟
يتناول الكتاب العديد من الطرق الفعالة التى تساعد الأسرة على اتباع الخطوات العلمية والعملية السليمة التى يجب اتباعها عند اكتشاف وجود طفل بالأسرة لديه اضطراب الطيف التوحدى، وكما قلنا إن طفل التوحد مثله مثل باقى الأطفال له احتياجاته المختلفة، وهذه الاحتياجات تتمثل فى الاهتمام بالعوامل النفسية والاجتماعية والمعرفية والسلوكية التى تساعد الطفل على التكيف والتوافق وتنمية العلاقات مع الآخرين، إلى جانب مساعدة الطفل على تنمية شخصيته وتوفير فرص التعليم للأطفال القادرين على التعلم من ذوى اضطراب الطيف التوحدى، فضلاً عن فتح الطريق أمامهم فى العديد من المجالات، والعمل على توثيق علاقات الطفل التوحدى بمن حوله، ومساعدته على إقامة علاقات اجتماعية ناجحة مع الأشخاص المحيطين، وذلك من خلال مساعدته على التواصل اللفظى وغير اللفظى والتفاعل الاجتماعى مع الجميع، هذا يعنى أن الأطفال التوحديين يعانون من عجز واضح فى عمليات التواصل والتفاعل الاجتماعى والعديد من السلوكيات النمطية والتكرارية الناتجة عن خلل واضح فى المعالجة الحسية لحواسه المختلفة.
وبماذا نصحت أسر الأطفال التوحديين فى كتابك؟
أسر الأطفال التوحديين يواجهون مشكلات وضغوط كبيرة، خاصة فى التواصل مع أبنائهم، سواء من ناحية التواصل اللفظى أو غير الفظى، ويعانون من عدم فهم المجتمع لهذا الاضطراب وكيفية التعامل معه، فالطفل التوحدى فى عزلة عن الآخرين وينصب تركيزه على عالمه الخاص المحيط به، ولا يستطيع أن يفهم الآخرين أو يندمج معهم بالاعتماد على نفسه مثل الأطفال الأسوياء، لكنه يحتاج إلى من يوفر له سبل الرعاية الكاملة، ويُعد القصور الاجتماعى من أكثر الأعراض وضوحًا لدى الأطفال التوحديين، حيث إنهم يقضون معظم أوقاتهم فى أنشطة فردية.
للأسرة دور فعال فى التغلب على كثير من مشكلات طفلها التوحدى، وذلك من خلال تقديم الخبرات والمهارات التى تزيد من ثقته بنفسه، وتنمية مهاراته الحياتية وإقامة اتصالات أسرية لذا فإن محاولات التدخل بالبرامج العلاجية بتنفيذ أساليب تدريبية أو تعليمية لمهارات هؤلاء الأطفال تعد وسيلة إمداد لهم بحصيلة لغوية جديدة تساعدهم فى تعلم أشكال بديلة للتواصل، كما تساعدهم على تعلم بعض أنماط السلوك والمهارات الاجتماعية التى تعمل على خفض الاضطرابات السلوكية واللغوية الموجودة لديهم، ولهذا تستوجب الضرورة تقديم برامج لأسر الأطفال التوحديين لتعريفهم بكيفية استخدام مهارات التواصل اللفظى وغير اللفظى مع أطفالهن التوحديين فى الحياة اليومية مما يساعد على التواصل مع أطفالهن فى المواقف الاجتماعية المختلفة التى يمر بها الطفل مثل: أوقات الطعام والشراب وأوقات التعبير عن احتياجاته كدخول الحمام أو الخروج منه، بالإضافة لاحتياجه لشىء معين لا يستطيع التعبير عنها لفظيًا.
البرامج التدريبية والتثقيفية لأسر الأطفال التوحديين لها دور فعال فى تحسين قدرات الأسر على كيفية تقبل أطفالهن التوحديين وكيفية التعامل معهم فى كافة المواقف فى المنزل أو خارج المنزل، وهذا يساعد الأمهات على فهم سلوكيات أطفالهن، وتدريب أطفالهن على مهارات التكيف والتوافق والتواصل الاجتماعى، كما تساعد هذه البرامج على رفع مستوى قدرات الأطفال التوحديين فى الحياة اليومية.
لذا من الضرورى أن تعى أسر الأطفال التوحديين بأهمية البرامج الخاصة بأطفال التوحد، حيث تؤكد بدرجة كبيرة على الدور الحيوى للأسرة فى تأهيل الطفل التوحدى، بالإضافة إلى وعيها بحاجات ومهارات الطفل التوحدى ومشاركتهما كمعالجين، وذلك كأحد أهم أهداف ممارسة التدخل العلاجى مع الطفل التوحدى، كما تهدف برامج التدخل المتمركزة حول الأسرة إلى تحقيق غايات علاجية أو إرشادية تعليمية، وغالبًا ما تجمع بينهما.