أبو نُمير يعقوب بن راشد بن سالم السعدي .. ذاكرة تخرج الحكاية وتكتب الوطن

بقلم: حمدان بن هاشل العدوي
عضو الجمعية العمانية للكتاب والأدباء

تمهيد

في مشهدٍ ثقافيّ مزدحم بالتحوّلات، يظلّ بعض المبدعين يشكّلون جسراً حقيقيًا بين الذاكرة والواقع، بين التراث والمعاصرة… ومن هؤلاء، يبرز اسم الكاتب والمخرج والناقد العُماني يعقوب بن راشد بن سالم السعدي، المعروف في الأوساط الثقافية والفنية باسم “أبو نُمير”، كواحدٍ من الأصوات التي اشتغلت في صمت، وبنت مشروعًا ثقافيًا بصريًا وأدبيًا يمتدّ لأكثر من ربع قرن.

فنانٌ شمولي جمع بين الكتابة والإخراج والرؤية الناقدة

ينتمي أبو نُمير إلى جيلٍ من المثقفين العُمانيين الذين لا تنحصر هويتهم في مؤسسة واحدة، بل في الانتماء للفكرة، وفي التعبير عن قضايا الإنسان والمكان بلغة الفن. فهو كاتب، ومخرج، ومؤسس فرقة مسرحية، وصاحب قناة توثيقية، وعضو فاعل في العديد من الجمعيات الثقافية والاجتماعية.
وعلى مدى 29 عامًا من العطاء، أنتج وأخرج وكتب ومثّل ودوّن، فسلّط الضوء على البيئة والمجتمع والوجدان العُماني، بأسلوب معاصر يحترم التفاصيل، ويتكئ على رموزٍ عميقة.

من المسرح إلى السينما
 
بدأ يعقوب السعدي مسيرته المسرحية بتأسيس فرقة المستقبل المسرحية الأهلية عام 1996 تحت إشراف وزارة التراث والثقافة، كتب وأخرج عدة أعمال مسرحية، منها: –

–       “مسرحية (الصدى الضائع)، التي عُرضت على مسرح المدينة المفتوح بحديقة القرم الطبيعية، تحت رعاية معالي الشيخ أحمد بن سويدان البلوشي، إضافة إلى مسرحيات أخرى مثل: المعاق، الخيانة، صراع الأجيال، المسرح السياسي العربي، إقليما، آدم وحواء وإبليس”.

–       وفي تحول نوعي، انتقل أبو نُمير إلى السينما الوثائقية والدرامية، فأنجز أرشيفًا بصريًا نادرًا يوثّق البيئة، الفنون، والعادات العُمانية، ومن أبرز أعماله الوثائقية: –

–       “شوامخ بهلاء، الحوطة، الأرض الرطبة، بيت الشريعة، سوق الحرث، عرضة الهجن، عرضة الخيل، جامع القناطر، فن الرزحة، فن التنجيلة”.
أما في الدراما، فقد كتب وأخرج أو أشرف على إخراج أفلام تناولت قضايا إنسانية واجتماعية جريئة، منها: –

–       المشيخة، أخوة التراب، المستهدف، جبروت رجل، المعلم، عقوق، الصديق، الفاجعة (مروري).

–       وشارك بالإشراف على إخراج فيلم “انتزاع الروح”، الذي كتبه بنفسه، وأخرجه المخرج عبد العزيز الحبسي.

–       كتب فيلم (تحت الرماد) وأخرجه المخرج أنيس الحبيب، ومن انتاج تلفزيون سلطنة عمان، ومنتج منفذ مؤسسة الوشاح للإنتاج الفني.

صانع الحكاية بين الضوء والحرف

في موازاة عمله البصري، لم يبتعد أبو نُمير عن القصة والرواية والمقالة، فقد كتب عشرات القصص التي تتنوع في أساليبها وأجوائها، كـ سوق الغائبين، دغبوص، عكاكيل الرمانة، الذئاب تطير، الشمعة القندسية، خلفان وضاحيته، وقدم أعمالًا روائية مثل غريب الوطن، دروب مظلمة، عيد وعبيد، مقل القرية التي تنام تحت الأرض.

ولم يتردد في كتابة المقال الناقد والساخر، متناولاً قضايا ثقافية ومجتمعية بلغة جريئة وصادقة، كـ: –
“الإعلام سلاح ذو حدين، الأمانة، الأطفال وشبح الأفلام الإباحية، الفنون العمانية بين الأصل والتحريف، بلدية مسقط مع التحية، مشاريع المواطن والجهات الحكومية”.

شاعر الوجدان والعزلة

أما في الشعر، فهو صاحب صوتٍ خاص، يكتب الوجداني والوطني والديني والإنساني، ومن أبرز نصوصه: –
“المتمردة، صمت الحقيقة، روح ماتت فيني، بجعة الغدير، النائمة في حضن الملائكة، عباءتك، تسقط الهامة، سيدي يا رسول الله، أنا، قيثارتي، مرثية أبي”.

عطاء لا يحدّه منصب

يُعرف عن أبو نُمير تواضعه واستقلاليته، لم يسعَ وراء المناصب، بل جعل من إنتاجه الثقافي والاجتماعي جسرًا للتأثير والتغيير، أسّس قناة على اليوتيوب توثق الحياة والموروث العماني، وشارك متطوعًا في رعاية ذوي الإعاقة، وكتب عنهم، وأخرج فيلمه الإنساني أنا هنا.. أنا موجود.

كما عمل في صمت على تثقيف الأجيال بالصورة والمقال، مشاركًا في المبادرات البيئية، والتعليمية، والاجتماعية.

ختامًا

يعقوب بن راشد بن سالم السعدي (أبو نُمير)، ليس مجرّد كاتب أو مخرج، بل “ذاكرة تمشي على قدمين”، تُجسّد المعنى الأعمق للإبداع العُماني؛ حيث تتقاطع الصورة مع الكلمة، والواقع مع الحلم، والإنسان مع الأرض.

وإن لم يُكرَّم بعد بما يستحقه من اهتمام رسمي، فإن أعماله ستبقى حاضرة، شاهدة على تجربة فنية وإنسانية، صدرت عن قناعة، وكتبت الوطن بلغة صادقة، وأخرجت الحكاية بعدسةٍ لا تنسى.

وهنا يبرز سؤال مشروع إلى الجهات الثقافية المعنية: –
لماذا لم يتم حتى اليوم تكريم هذا المبدع العُماني الذي قضى عمره في خدمة الفن والفكر والمجتمع؟ أليس من واجبنا أن نحتفي بمن صنعوا الذاكرة البصرية والفنية لهذا الوطن؟

 

Comments (0)
Add Comment