الحرب سرقت منه صحته.. محمد الشعراوي نموذج لمعاناة ذوي الإعاقة في غزة

 

سنابل الأمل / متابعات

على أطراف أحد المخيمات المكتظة بالنازحين في مدينة دير البلح، يجلس محمد الشعراوي (31 عامًا) داخل خيمته الصغيرة، وقد بدا جسده الهزيل كأنه نصف ما كان عليه قبل الحرب. يرفع صوته المتعب قائلاً: “لم يعد لي جسد يتحمّل… الحرب أنهكتني، والنزوح أنهك كرسيي، ولم يتبقَّ لدي أي وسيلة تساعدني على العيش بكرامة.” محمد، الذي يعاني شللا نصفيا سفليا منذ سنوات، كان قادرًا قبل الحرب على تسيير حياته اليومية بفضل كرسيه المتحرك وبعض الأدوات الطبية التي يحتاجها باستمرار. أما اليوم، وبعد مرور 22 شهرًا من حرب الإبادة، فقد بات عاجزًا عن تلبية أبسط احتياجاته، بعدما تعطّل كرسيه المتنقل، وفقد إمكانية الحصول على الحفاضات الخاصة التي يحتاجها يوميًا، إضافة إلى الأدوية والفيتامينات التي كانت تخفف من آلامه. يروي محمد قصته بمرارة لـ “فلسطين أون لاين”: مع بداية الحرب اضطر للنزوح مع عائلته أكثر من عشر مرات، متنقلاً بين المخيمات والملاجئ بحثًا عن مكان أكثر أمانًا. في كل مرة كان يجرّ كرسيه فوق طرقات مليئة بالحجارة أو الرمال الثقيلة، مما أدى إلى تلف الكرسي بعد أقل من ستة أشهر. واليوم يجلس على كرسي متهالك، تتآكل عجلاته، ولا يقوى على الصمود في أرضية غير مهيأة لذوي الإعاقة. لكن الكرسي ليس سوى جزء من معاناته؛ فمحمد يحتاج يوميًا إلى أربع حفاضات خاصة بالبالغين، سعر الواحدة منها 35 شيكلًا، أي ما يعادل 140 شيكلًا يوميًا، وهو مبلغ يستحيل عليه توفيره في ظل غياب أي مصدر دخل. هذا النقص أجبره مؤخرًا على استخدام القسطرة البولية كحل اضطراري منذ شهرين، الأمر الذي فاقم وضعه الصحي وأدى إلى التهابات خطيرة في جهازه البولي. جسد يذوي بصمت الحرب لم تسرق من محمد أدواته الطبية فقط، بل سرقت جسده وصحته أيضًا، إذ فقد أكثر من 30 كيلوغرامًا من وزنه بسبب الجوع وسوء التغذية والمجاعة التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة. يروي بحزن: “لم أعد أجد ما يكفيني من الطعام، أحيانًا ننام بلا عشاء… جسدي أصبح هشًا، والجلد لم يعد يلتئم، والجروح الصغيرة تتحول إلى التهابات مزمنة، ولا أدوية تعالجها.” غياب الأدوية والفيتامينات جعل جسده ضعيفًا أمام أبسط الأمراض. حتى المضادات الحيوية التي كان يتناولها باستمرار لم تعد ذات فعالية، بعدما فقد جسده القدرة على تقبّلها. واليوم يعيش محمد معركة يومية مع الالتهابات الجلدية والجروح المفتوحة التي لا تجد عناية أو تطهيرًا، في ظل منظومة صحية مدمرة تمامًا. عزلة نفسية واجتماعية لم تتوقف معاناة محمد عند حدود الجسد، بل انسحبت إلى حياته النفسية والاجتماعية. يقول: “كنت أخرج للعمل البسيط قبل الحرب، أبيع بعض الأشياء وأتحرك بين الناس… أما اليوم فأنا حبيس الخيمة، لا أستطيع التحرك، وأشعر أنني عبء على عائلتي.” العزلة جعلته أكثر عرضة للاكتئاب، إذ لا يجد من يسمعه أو يساعده، ولا يستطيع الوصول إلى المؤسسات التي كانت تقدم له بعض الدعم قبل الحرب، بعدما دُمرت مقراتها أو توقفت خدماتها. قصة محمد الشعراوي تجسد معاناة آلاف الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة الذين حُرموا من الأدوات المساعدة والدواء والغذاء. لكن معاناته تحمل بعدًا أشد قسوة؛ فهو يعيش بلا مصدر دخل، بلا دواء، بلا كرسي صالح، وبلا أمل قريب في تحسّن الأوضاع. يردد محمد كلماته الأخيرة بنبرة منكسرة: “كل ما أريده هو كرسي متحرك وحفاضات وطعام… أشياء صغيرة قد تعني لي حياة كاملة… لكن الاحتلال يحرمنا من كل شيء.”.

 

المصدر / فلسطين أون لاين

 

 

 

Comments (0)
Add Comment