لغة الإشارة.. وسيلة اندماج الصم في المجتمع تواجه تحديات عديدة

سنابل الأمل / متابعات

قبل خمس سنوات، بدأت رحلة أم مجتبىء مع محاولة دمج طفلها من ذوي الإعاقة السمعية في المدارس، رحلة مليئة بالتحديات، فبين رفض رياض الأطفال الخاصة استقباله، وغياب المعلمين المتخصصين بلغة الإشارة في المدرسة التي التحق بها، وجدت الأم نفسها مضطرة لمرافقة ابنها يوميا طوال ساعات الدوام، بعدما عجزت عن توفير مرافق خاص له بسبب الكلفة المادية.

 

خمس سنوات قضاها الطفل داخل الصفوف دون أن يتعلم لغة الإشارة أو يطور مهارات النطق، إذ اكتفى بحمل كتبه والعودة إلى البيت بلا فائدة ، حتى بلغ الثالثة عشرة من عمره بلا أي تحصيل يوازي جهده أو صبر والدته، على حد وصفها.

 

ومع انتقاله لاحقا إلى مدرسة حكومية للذكور، توضح الأم بأنه لم يختلف الحال كثيرا، فالتحديات استمرت، واضطررت لإعادته صفين إلى الوراء ليبدأ من جديد مع أخيه الأصغر، لكن بارقة الأمل جاءت حين تم افتتاح مدرسة دامجة في منطقة ناعور، حيث التحق بها مجتبى فشهدت تحولا ملحوظا في مسيرته التعليمية.

 

تقول “لأول مرة شعرت أن ابني في مكانه الصحيح، وجد معلمي لغة إشارة، وإدارة متعاونة، وبيئة تعليمية راعت فروقاته العمرية والشخصية، فبدأ يتطور فعلا.

 

قصة أم مجتبى ليست استثناء، بل تعكس واقع آلاف الأسر، حيث تقدر الأرقام الرسمية، عدد الأشخاص ذوي الإعاقة بنحو 1.25 مليون شخص، أي ما يعادل 11.2% من إجمالي السكان.

 

وفيما يتعلق بالتعليم، ارتفع عدد الطلاب ذوي الإعاقة المدمجين في المدارس من 20 ألفا عام 2018 إلى نحو 28,600 طالب في 2024، أي ما نسبته 7.4% فقط من الأطفال ذوي الإعاقة.

 

تعمل وزارة التربية والتعليم حالياً على إنشاء 30 مدرسة دامجة بحلول عام 2025 لتوفير بيئة تعليمية أفضل، لكن أم مجتبى ترى أن سنوات طويلة من عمر ابنها التعليمي ضاعت هباء، مؤكدة الحاجة إلى مراكز متخصصة وبرامج مستدامة، ليس فقط للأطفال من ذوي الإعاقة السمعية، بل أيضا للأهالي لتعلم لغة الإشارة والتواصل مع أبنائهم.

 

تحديات مستمرة

من جانبها تؤكد رئيسة قسم الترتيبات التيسيرية والتكنولوجيا المساندة في وحدة تكافؤ الفرص بالمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة  علا علاونة في حديثها لـ “عمان نت” أن التحديات ما زالت قائمة، خاصة في بعض المدارس الحكومية التي تفتقر إلى معلمي لغة الإشارة، مما يؤدي إلى صعوبة تواصل الطلبة الصم مع زملائهم أو معلميهم، ويجعلهم عرضة أحيانا للتنمر أو العزلة.

 

وتضيف أن تجربة أم مجتبىء مشجعة، إذ أصرت على تعليم ابنها لغة الإشارة إلى جانب محاولات تطوير النطق لديه، تمثل نموذجا مشجعا، خاصة أن بعض الأهالي يرفضون تعليم أبنائهم لغة الإشارة ويكتفون بجلسات النطق، في حين أن التكامل بين اللغتين هو الحل الأمثل.

 

وتشير إلى أن ضعف مخرجات تعليم الطلبة الصم يعود بالدرجة الأولى إلى قصور استراتيجيات التدريس وغياب المصطلحات الأكاديمية الكافية بلغة الإشارةـ موضحة أن المجلس يسعى لمعالجة هذه الفجوات عبر تطوير البرامج التعليمية، وتوفير الترتيبات التيسيرية والتكنولوجيا المساندة، بما يضمن للطالب تعلما ثنائي اللغة يجمع بين المكتوبة والمنطوقة والإشارة، ابتداء من مرحلة الروضة والصفوف الأولى.

 

وتؤكد أن ضعف الوعي المجتمعي، خصوصا في المناطق النائية، ما زال يمثل عائقا، حيث ينظر للإعاقة السمعية على أنها حالة غريبة، مشيرة إلى أن هذا الفهم الخاطئ يدفع كثيرا من الأسر إلى نقل أبنائها من مدارس دامجة إلى مدارس خاصة بالصم بحثا عن بيئة أكثر تقبلا.

 

النصوص القانونية وحق تعلم لغة الإشارة

ينص قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 20 لسنة 2017 على حق الأشخاص ذوي الإعاقة في التعليم الشامل والمتكافئ، بما في ذلك توفير الوسائل المساندة مثل لغة الإشارة، وضرورة توفير معلمين ومترجمين مؤهلين لضمان التواصل الفعال للطلبة الصم.

 

كما أصدرت تعليمات اعتماد مترجمي لغة الإشارة رقم 1 لسنة 2018، والتي تحدد معايير اعتماد المترجمين، وتشمل اجتياز دورات متخصصة لضمان تقديم خدمات ترجمة عالية الجودة داخل المدارس.

 

من جانبها تعترف وزارة التربية والتعليم بأنها، منذ بدء العمل على تطوير البيئة التعليمية الدامجة، تواجه تحديات في تطبيق القوانين والأنظمة والاستراتيجيات الخاصة بتوفير بيئة تعليمية دامجة تتيح الاستقلالية الحقيقية للطلاب ذوي الاعاقة، إلا أنها تسعى للتغلب على هذه التحديات من خلال المتابعة المستمرة وتطوير الاستراتيجيات تدريجيا، وفقا لمدير إدارة التعليم الدامج في الوزارة الدكتور محمد الرحامنة.

 

ويوضح الرحامنة،  أن الوزارة تعمل على مواجهة التحديات عبر متابعة تطبيق القوانين والأنظمة وتطويرها تدريجيا، مشيرا إلى تعيين 350 معلما مساندا في المرحلة الأولى، لمساندة الطلبة والمعلمين وتقديم تقييمات متخصصة.

 

جهود متواصلة

أطلق المجلس الأعلى برامج تدريبية لإعداد مترجمي لغة إشارة معتمدين، إلى جانب دورات مستمرة لرفع كفاءة المعلمين، وسيشهد شهر تشرين الأول المقبل دورة متقدمة يقدمها معلمون صم من ذوي الخبرة.

 

كما طور المجلس قاموسا أكاديميا للغة الإشارة بالتعاون مع خبراء من الأشخاص الصم أنفسهم لسد الفجوات في المصطلحات التعليمية.

 

هذا ويحتفل الأردن في 23 أيلول من كل عام باليوم العالمي للغات الإشارة، مناسبة تؤكد على حق الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية في التواصل والاندماج، وتعكس أهمية تعزيز ثقافة التنوع والشمول داخل المجتمع، إذ تعد لغة الإشارة وسيلة أساسية تتيح للصم المشاركة الفاعلة في الحياة على قدم المساواة مع غيرهم.

 

 

Comments (0)
Add Comment