سنابل الأمل / متابعات
عرض بقصر الثقافة والفنون في طنجة فيلم “المرجة الزرقاء” للمخرج المغربي داود أولاد السيد، ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة في الدورة الخامسة والعشرين للمهرجان الوطني للفيلم، حيث ينافس إلى جانب 14 فيلما آخر على جوائز المهرجان.
العمل، الذي يحمل توقيع واحد من أبرز الأسماء في السينما المغربية الحديثة، أعاد الجمهور إلى أجواء الصحراء التي لطالما كانت مسرحا بصريا وإنسانيا لأفلام أولاد السيد، لكنه هذه المرة اختار أن يدخلها من زاوية مختلفة من خلال عيني طفل لا يرى، لكنه يرى كل شيء بقلبه.
ويحكي الفيلم قصة يوسف، طفل في الثانية عشرة من عمره فقد بصره ووالديه في حادثة مأساوية، ليعيش بعدها في كنف جديه داخل قرية نائية في عمق الصحراء.
وذات يوم يهديه جده آلة تصوير بسيطة، فيكتشف يوسف عالما جديدا من الضوء والخيال، ليبدأ رحلة تصوير كل ما يشعر به، أصدقاؤه في المدرسة، المشاهد الطبيعية المحيطة، والفتاة الصغيرة زينب التي تراوده أحلامه البريئة تجاهها، لكن حلمه الأكبر يظل الوصول إلى مكان يسمع الكبار يتحدثون عنه كثيرا وهو “المرجة الزرقاء”، البحيرة الغامضة التي تلمع في قلب الصحراء، ليقرر أن يسافر برفقة جده نحوها في رحلة تشبه المغامرة الروحية أكثر من كونها سفرا جغرافيا.
وتقاسم بطولة الفيلم محمد خيي في أداء عميق لدور الجد، وحسناء طمطاوي (الجدة وردية)، والطفل يوسف أكادير في أول تجربة له أمام الكاميرا، إلى جانب عبد الله شيشة، عز العرب الكغاط وعبد الحق صالح.
وكشف المخرج داود أولاد سيد في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، أنه استلهم فكرة الفيلم من موقف حقيقي صادفه قبل سنوات أثناء تصويره لأحد أعماله في الصحراء، حين لمح حافلة تقل مجموعة من المكفوفين في زيارة لموقع طبيعي.
وأشار أولاد سيد، إلى أنه لفت نظره وسط هؤلاء رجل كفيف يحمل كاميرا ويصور ما يشعر به، لافتا أن مفارقة أن يصور من لا يرى كانت الشرارة الأولى لفيلم “المرجة الزرقاء”.
وأوضح المخرج أنه أراد أن يصوغ من هذه الحادثة تأملا سينمائيا حول معنى الرؤية والإحساس، وأن يجعل من آلة التصوير رمزا للتحرر من قيود العجز، فـ”يوسف” لا يبحث فقط عن المرجة، بل عن ذاته في عالم لا يمنح الضوء إلا لمن يراه بعيني الجسد، بينما هو يراه بعيني الروح.
وفي هذا الصدد، قال المخرج عبد الإله الجوهري، الذي تابع العرض، إن أولاد السيد نجح في خلق حالة شبه إجماع لدى الجمهور، بفضل قدرته على المزاوجة بين الحس الجمالي والتقني وبين البعد الإنساني العميق للفيلم، فالتصوير المرهف والاشتغال على الإضاءة والظل جعلا من كل لقطة لوحة تشكيلية تنبض بالحياة، فيما تم توظيف التراث الموسيقي والأزياء المحلية لخلق هوية مغربية صادقة وغنية التفاصيل.
ويرى عبد الإله الجوهري في “المرجة الزرقاء” تتويجا لمسار داود أولاد السيد الفني، وعودة إلى الجوهر الذي ميز تجربته السينمائية منذ بداياته، فالفيلم في نظره يعيد التأكيد على وفاء المخرج لفضاء الصحراء بوصفها أكثر من مجرد خلفية، بل ككائن بصري وروحي يتنفس داخل الصورة ويمنحها عمقها.
واعتبر الجوهري، أن أولاد السيد حافظ على بصمته الجمالية المعهودة، من خلال اشتغاله الدقيق على تكوين الكادر وتوظيف الضوء والظل بانسجام مع التراث الموسيقي المحلي، لتتوحد في الفيلم الفوتوغرافيا والتشكيل والسينما في توليفة بصرية متفردة.
وشدد ذات المتحدث، على أن المخرج لم يقدم حكاية طفل كفيف فحسب، بل قدم تجربة وجودية عن إنسان يبحث عن النور في العتمة، ويحول الإعاقة إلى وسيلة للرؤية الداخلية، فـ”المرجة الزرقاء” عنده ليست مكانا فحسب، بل استعارة عن الحلم الإنساني في أقصى تجلياته بحث عن معنى، وعن سلام، وعن ضوء يسكن ما وراء المرئي، وفق تعبيره.
العمق المغربي