سنابل الأمل / متابعات
تعد السنوات الخمس الأولى من عمر الإنسان هي الحجر الأساس الذي يُبنى عليه صرح الشخصية والقدرات المستقبلية، وتتضاعف أهمية هذه المرحلة حينما يولد الطفل وهو يعاني من فقدان البصر أو ضعف شديد فيه. إن التدخل المبكر ليس مجرد إجراء تعليمي أو تأهيلي تكميلي، بل هو ضرورة حتمية لضمان عدم اتساع الفجوة النمائية بين الطفل الكفيف وأقرانه المبصرين، حيث يعتمد النمو المعرفي والحركي في العادة بشكل كبير على حاسة البصر التي تمنح الطفل ثمانين بالمئة من المعلومات عن العالم المحيط به.
تبدأ رحلة التدخل المبكر بتمكين الحواس الأخرى لتكون هي النوافذ البديلة التي يطل منها الطفل على الحياة، فاللمس والسمع والشم تصبح أدوات حيوية لتعويض غياب الرؤية.
ومن أهم الركائز في هذه المرحلة هو تحفيز حاسة اللمس من خلال تمارين منزلية بسيطة ومستمرة، حيث يمكن للأم البدء بتعريض يد الطفل لملامس متباينة مثل الصوف الناعم والورق الخشن والماء الدافئ والبارد، مما يساعده على تكوين مخزون حسي يميز به الأشياء.
كما يعتبر تمرين “البحث عن اللعبة” داخل وعاء مليء بالأرز أو الحبوب وسيلة ممتازة لتقوية عضلات اليد الدقيقة وتنمية مهارة التمييز اللمسي، وهي المهارات التمهيدية والأساسية لتعلم لغة برايل في المستقبل.
أما بالنسبة للأسرة، فإن الصدمة الأولى لفقدان بصر الطفل قد تشل قدرتها على التعامل الصحيح، وهنا يأتي دور التدخل المبكر كطوق نجاة للوالدين.
يوفر هذا التدخل الدعم النفسي والإرشادي الذي يحول الأسرة من حالة العجز والشفقة إلى حالة العمل والتمكين، حيث يتعلم الآباء كيف يكيّفون البيئة المنزلية لتناسب احتياجات طفلهم، وكيف يحفزون تطوره من خلال اللعب والتفاعل الصوتي واللمسي. إن الأسرة الواعية هي المختبر الأول لنجاح الطفل الكفيف، وبدون تدريبها وتوجيهها يظل الطفل معزولاً حتى لو توفرت له أفضل المراكز المتخصصة.
إن دمج الأنشطة الحركية مع التنبيه الحسي يعد جزءاً لا يتجزأ من هذه العملية، فتشجيع الطفل على الحبو نحو مصدر صوتي مألوف أو لمس قطع الأثاث أثناء المشي يعزز لديه الثقة في التحرك ضمن مساحته الخاصة.
يساهم هذا النهج الشمولي في صقل المهارات الاجتماعية التي ستجعله عضواً فاعلاً ومنتجاً، فالهدف الأسمى هو الوصول بالطفل إلى قناعة تامة بأن فقدان البصر لا يعني أبداً فقدان البصيرة، وأن العالم ينتظره ليضع بصمته الخاصة فيه بذكائه وعزيمته الاستثنائية.