اليوم العالمي للتوعية بمرض التوحد… إبراز “إسهامات المصابين بالتوحد” 

سنابل الأمل / متابعات

تحتفي الأوساط الدولية باليوم العالمي للتوعية بمرض التوحد الذي يصادف الثاني من أبريل من كل عام، وسط مساع حثيثة للمساعدة في تشكيل عالم يشعر فيه الأفراد المتباينون عصبيا بالقبول والتمثيل والمشاركة والتمكين والاستماع.

وتستهدف الأمم المتحدة في احتفالها هذا العام عرض المساهمات التي يقدمها المصابون بالتوحد للمجتمع، بما يضمن تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بتقديم الدعم المناسب لهذا الاختلاف العصبي والتكيف معه، وقبوله مجتمعيا لكي يتاح للمصابين بهذا المرض التمتع بتكافؤ الفرص والمشاركة الكاملة والفعالة في الحياة.

والتوحد حالة عصبية تظهر في مرحلة الطفولة المبكرة، بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي، ويتميز المصاب بتفاعلاته الاجتماعية الفريدة، والطرق غير العادية للتعلم، والاهتمام البالغ بمواضيع محددة، والميل إلى الأعمال الروتينية، والسلوكيات التكرارية، ومواجهة صعوبات في مجال التواصل البصري والسمعي بشكل تقليدي، ويترتب على عدم فهمه من الآباء والأسر والمجتمع أن تضعف المعالجة المطلوبة.

ولأن معدل التوحد في جميع مناطق العالم في ارتفاع، ولطبيعته الخاصة، فقد بدأ الأطباء ومراكز التأهيل بإيلائه المزيد من الاهتمام وتصنيفه وفق درجات وأنواع بحسب قدرات طفل التوحد بين الخفيفة والشديدة، وكل درجة لها علاجات وتمارين وتدريبات خاصة، ويغلب على الحالات الخفيفة منه إمكانية الشفاء بنسب متفاوتة.

كما يمكن دمج بعض الحالات البسيطة التي تستجيب جيدا لأنماط من التدريبات وتظهر تحسنا ملحوظا للتأهيل النفسي والجسدي، مع الأطفال الأصحاء ضمن بعض روضات الأطفال والمدارس، بما يعرف بصفوف الدمج.

وقد دأبت الأسرة الدولية على تعزيز التنوع وضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ورفاههم ورعايتهم المستمرة، بما في ذلك الأطفال الذين يعانون من الإعاقات، ولذا بدأ نفاذ اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في عام 2008، كمبدأ أساسي من مبادئ حقوق الإنسان العالمية للجميع، والهدف هو حماية هذه الفئة غير القليلة في المجتمع والتي زادت أعدادهم في السنوات الأخيرة، وأن يكونوا على قدم المساواة مع أقرانهم الأصحاء، خصوصا تعزيز احترام كرامتهم المتأصلة ورعايتهم بشكل يجعلهم يعيشون حياة كاملة وذات مغزى.

وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع يوم الثاني من أبريل بوصفه اليوم العالمي للتوعية بمرض التوحد، من خلال (القرار 139/62)، لتسليط الضوء على الحاجة للمساعدة على تحسين نوعية حياة الذين يعانون من التوحد، حتى يتمكنوا من العيش حياة كاملة وذات مغزى كجزء لا يتجزأ من المجتمع.

وفي الوقت الذي شددت فيه احتفالية العام الماضي 2022 للأمم المتحدة على “الدمج في مكان العمل” وتعزيز التعليم الجيد الشامل للأشخاص الذين يعانون من طيف التوحد، حتى يتمكنوا من تحقيق إمكاناتهم وتحقيق النجاح المستدام في سوق العمل، فإن احتفالية هذا العام 2023 التي ترعاها إدارة الأمم المتحدة للتواصل العالمي، ستركز على إبراز “إسهامات المصابين بالتوحد في منازلهم وفي أعمالهم وفي الفنون وفي السياسة العامة”.

ويتم تنظيم الحدث هذا العام من قبل إدارة التواصل العالمي التابعة للأمم المتحدة (DGC)، وإدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية (DESA)، بدعم من شركاء المجتمع المدني بما في ذلك شبكة الدعوة الذاتية للتوحد ومشروع التوحد العالمي ومؤسسة سبشلستيرن.

كما من المقرر أن تنظم فعالية عالمية عبر الإنترنت خلال اليوم العالمي، بالتعاون مع إدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وبالتنسيق مع معهد التنوع العصبي في سويسرا، وله حاليا فروع في 14 دولة، عبر استضافة مصابين بالتوحد من مراكز متعددة من كافة أنحاء العالم، لمناقشة كيفية مواصلة تعزيز التحول في مسار التعامل بشأن التنوع العصبي بما يمكن من التغلب على الحواجز، وتحسين أحوال المصابين بالتوحد.

وفي رسالة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بمناسبة اليوم العالمي للعام المنصرم 2022 للتوعية بمرض التوحد، كشف عن الطريقة التي أدت بها جائحة كوفيد-19 إلى تفاقم عدم المساواة وتأثير ذلك على الأشخاص المصابين بهذه الحالة، بسبب اضطرار جميع المراكز والمستشفيات لإغلاق أبوابها.

ودعا الأمين العام للأمم المتحدة لإنشاء أنظمة تعليمية شاملة وبرامج تدريبية تمكن الطلاب المصابين بالتوحد من الوصول إلى المسار التعليمي الذي يختارونه، وإتاحة الحلول التقنية للأشخاص المصابين بالتوحد للعيش بشكل مستقل في مجتمعاتهم.

كما شدد على دعم الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص المصابين بالتوحد في المشاركة الكاملة في المجتمع، بما يتماشى مع اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وخطة التنمية المستدامة لعام 2030، والتي تتعهد “بعدم ترك أحد يتخلف عن الركب”.

ويصنف طيف التوحد إلى ثلاثة أنواع: بسيط ومتوسط وشديد، حيث يساهم التدخل المبكر بشكل فعال في معالجة الحالات البسيطة، ويضع أسسا عملية وتربوية للتعامل مع بقية الحالات، وتستمر لمراحل حتى استكمال عملية الدمج الكامل لفئة طيف التوحد، خصوصا للأسر التي تبادر لمتابعة أطفالها مبكرا وتتجاوز حالات الجهل العلمي والخجل الاجتماعي.

ويعاني واحد من كل 88 طفلا من التوحد الذي يشكل مجموعة متنوعة من الحالات المتعلقة بنمو الدماغ، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.

ورغم إمكانية اكتشاف الخصائص في مرحلة الطفولة المبكرة، إلا أنه غالبا لا يتم تشخيص الإصابة بالتوحد إلا بعد فترة طويلة.

وبحسب أرقام الأمم المتحدة، فإن حوالي 1 بالمئة من سكان العالم مصابون بمرض التوحد، أي حوالي 70 مليون شخص.

وتكشف الأرقام أن الذكور معرضون للإصابة بالتوحد أكثر من الإناث بمعدل 4 أضعاف، إذ يصيب التوحد 1 من كل 37 طفلا ذكرا، و1 من بين كل 151 طفلة حول العالم.

وتشير تقارير معهد أبحاث التوحد، إلى أن المرض بدأ ينتشر بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة، حيث يصاب 60 من كل 10 آلاف طفل في المرحلة العمرية بين 5 -11 سنة، قياسا بما كان معروفا سابقا، وهو 5 من كل 10 آلاف طفل.

وتشير أغلب الأبحاث النفسية والسلوكية إلى أنه لا يوجد سبب معين للإصابة بالتوحد لدى الأطفال، لكن هناك ملاحظات عامة يشترك فيها المصابون بالتوحد في كل دول العالم، ومنها أن أغلب المصابين من الذكور بنسب تتعدى الإناث من 3 إلى 4 مرات، كما أن أغلب المصابين ينتمون لعائلات ذات مستوى اقتصادي واجتماعي مرتفع ومن دول كبرى ومتقدمة، وهو ما دفع العلماء إلى إجراء مزيد من الدراسات حول هذه الإعاقة، والتي خلصت في أغلبها إلى أن التوحد يمكن أن يكون له أسباب نفسية واجتماعية وفيزيولوجية، بجانب التاريخ العائلي.

وقالت منظمة الصحة العالمية : إن قدرات واحتياجات المصابين بالتوحد تختلف ويمكن أن تتطور بمرور الوقت، وإذ يمكن للبعض العيش بشكل مستقل، فإن البعض الآخر يعاني من إعاقات شديدة ويحتاجون إلى رعاية ودعم مدى      الحياة.

وتولى دولة قطر اهتماما خاصا بفئة المصابين بطيف التوحّد، ويتمثل ذلك من خلال إطلاق الخطة الوطنية للتوحد والتي تهدف إلى تحسين سبل حياة الأفراد من ذوي اضطراب طيف التوحد وأسرهم، وذلك وفقا لرؤية قطر الوطنية 2030، من أجل توفير البيئة المناسبة للفئات المستهدفة من ذوي التوحد على جميع الصعد، سواء كان أكاديميا أو وظيفيا أو اجتماعيا عبر تكوين صداقات دائمة تسهم في دمجهم فعليا.

وتقدم دولة قطر رعاية خاصة لذوي اضطراب طيف التوحد، حيث افتتحت مستشفيات ومراكز متخصصة في هذا الإطار من خلال مستشفى الرميلة ومركز التأهيل بمستشفى حمد، ناهيك عن 28 مركزا لرعاية ذوي الإعاقة في الدولة، حيث تقدم خدمات متنوعة من الرعاية الطبية والتعليمية والإرشاد والتوعية، وهذا يعكس اهتمام الدولة بهؤلاء المصابين، والعمل على دمج ورعاية واحتواء تلك الفئة المهمة من المجتمع.

وقد حققت الدولة نجاحات ملموسة، خاصة خلال السنوات الماضية في هذا المجال، حيث أصدر مجلس الوزراء القرار رقم (26) لسنة 2019 المتعلق بإنشاء اللجنة الوطنية المعنية بشؤون المرأة والطفل وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة، واشتملت مهامها على رصد أوضاع حقوق ذوي الإعاقة، ومن بينهم ذوو التوحد، وضمان تطبيق السياسات الداعمة لهم، والتأكيد على أهمية دمجهم وتمكينهم، ليصبحوا ثمرة وإضافة إيجابية في عملية التنمية الشاملة، التي تسعى لها دولة قطر، وأقرتها في رؤية قطر الوطنية 2030.

وتتكافل الوزارات والهيئات القطرية المعنية برفع مستوى التوعية لدى أفراد المجتمع بشأن هذا المرض وأسبابه وطرق علاجه، بالإضافة إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة والشائعة عنه، والطرق المثلى للتعامل معه، وتوعية ذوي المرضى بالبرامج التأهيلية والعلاجية الفاعلة وكيفية دمجهم بالمجتمع كأفراد متساوين ينبغي أن يتمتعوا بجميع الحقوق والواجبات، وتأكيد دعمها ومساندتها للبرامج الوطنية التي تنفذها الدولة لفائدة مرضى التوحد.

وعلى صعيد متصل، جددت دولة قطر التأكيد على التزامها المسؤول بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية في الجهود المبذولة التي تستهدف معالجة اضطرابات طيف التوحد وغيره من اضطرابات النمو.

وفيما يتعلق بالجهود المبذولة على المستوى الوطني، تؤكد قطر حرصها على العمل باستدامة على موضوع “التوحد” سواء من خلال مراجعة التشريعات وإعداد مشاريع قوانين جديدة أو عن طريق إنشاء مراكز صحية متطورة.

وفي هذا السياق يضطلع مركز التكنولوجيا المساعدة في قطر “مدى” بدور مهم من خلال ربط ذوي التوحد والإعاقات الأخرى بتكنولوجيا المعلومات كوسيلة لتعزيز إمكانياتهم وإثراء قدراتهم، بالإضافة إلى مساهمة مركز قطر للتوحد وذوي الاحتياجات الخاصة بتقديم الخدمات المتخصصة لإعادة تأهيل الأفراد المصابين بالتوحد وذوي الإعاقة.

ويحتفل مركز الشفلح للأشخاص ذوي الإعاقة “الشفلح” ومبادرة “بست باديز قطر” كل عام، باليوم العالمي للتوعية بمرض التوحد، بفعالية مشتركة تتضمن أنشطة ترفيهية ورياضية وفنية يشارك فيها طلاب ومنتسبون من الجنسين، لتسليط الضوء على الإنجازات التي حققتها دولة قطر في هذا الحقل الصحي الأكاديمي.

ويعد معهد الدوحة الدولي للأسرة، عضو مؤسسة قطر، من بين المؤسسات الناشطة في مجال حقوق التوحد، وقد أجرى المعهد دراسة حول صحة الأسر التي تعيش مع اضطراب طيف التوحد، حيث أظهرت النتائج أن العائلات التي تضم أطفالا من ذوي التوحد تواجه صعوبات من حيث التكيف الاجتماعي والعاطفي، إضافة إلى تأثر العلاقات بين الزوجين والأشقاء سلبا.

وتشير الدراسة إلى أن الكثير من العائلات تواجه حالة من الإنكار، وترفض بشدة الاعتراف بإصابة أطفالها باضطراب طيف التوحد، رغم توافر مؤشرات وجوده بين بعض الأسر، مما يستوجب على الأبوين الانتباه لها والقيام بعملية التدخل المبكر، واتخاذ ما يلزم من إجراءات للتعامل معها، حتى يتسنى لهم التكيف والتعامل مع الحالة، ووضع ترتيبات كافية لاكتساب المهارات المطلوبة.

وتكشف بيانات جهاز التخطيط والإحصاء أن عدد المصابين بطيف التوحد المسجلين بمراكز ذوي الإعاقة في دولة قطر، يبلغ 1465 شخصا في العام 2020، بواقع 599 قطريا (480 ذكرا و119 أنثى)، بينما بلغ عدد غير القطريين نحو 866 مصابا يتوزعون بين (687 ذكرا و179 أنثى).

وقد أطلقت دولة قطر الخطة الوطنية للتوحد (2017 – 2022) التي تهدف إلى تحسين سبل حياة الأفراد ذوي اضطراب طيف التوحد وأسرهم، فضلا عن نشر الوعي والاهتمام بالأسرة، والتركيز على الجوانب التعليمية والصحية، والاهتمام بالمرافق والتدخل المبكر والبنية التحتية، بالإضافة إلى استمرارية الرعاية والتطوير الهادف في التعليم والمشاركة الاجتماعية.

 

 

العرب

 

 

Comments (0)
Add Comment