سنابل الأمل / متابعات
جبر الخواطر عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلق إسلامي عظيم، يدل على سمو نفسه، وعظمة قلبه، ورجاحة عقله. بهذا الخلق، يجبر النبي نفوساً كُسرت، وقلوباً فطرت، وأرواحاً أزهقت، وأجساماً مرضت.
وجبر الخواطر عبادة وطاعة لله، تعالى، وجبر النفوس من الدعاء الملازم لرسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان يقول بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني». و«جبر الخواطر» صفة من صفات الأنبياء، فهم يتسمون بحسن المعاملة وطيبة القلب. وسُئل الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن أكثر الأفعال التي يدخل بها الإنسان الجنة، فقال: «التقوى وحسن الخلق»، وجبر الخاطر من حسن الخلق، وصفة إسلامية وإنسانية عظيمة، ولا تصدر إلا من صاحب القلب الطيب والأخلاق الحسنة، فهي مداواة للقلب.
نال أصحاب العاهات، الذين ابتلاهم الله في أجسادهم وصحتهم، عطفاً ومساعدة منه صلى الله عليه وسلم، فكان يحسن معاملتهم ويستثمر طاقاتهم ويرفع من مكانتهم بين المسلمين ويجبر بخاطرهم.
قال تعالى: «لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ»، آل عمران: 186.
يذكر فضيلة الشيخ عبدالظاهر عبدالله فى كتاب «مكارم الأخلاق»: كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يتعامل مع أصحاب العاهات، بحثهم على الصبر، وتبشيرهم بالجنة إذا صبروا على ما أُصيبوا به. وعن عطاء بن أبي رباح، قال: «قال لي ابن عباس رضي الله عنهما:«ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة، وأشار ابن عباس رضي الله عنهما إلى امرأة أتت النبي، صلى الله عليه وسلم، فقالت: «إني أُصرع» يعني مصابة بالصرع، وإني أتكشف أمام الرجال فادعُ الله لي، فقال النبي: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيك. لما سمعت المرأة ذلك، آثرت الباقي على الفاني، وقالت: «أصبر».
عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، انطلقوا بنا إلى البصير الذي في بني واقف نعوده، وكان رجلاً أعمى، وبنو واقف حي من أحياء الأنصار كان فيهم رجل أعمى. النبي صلى الله عليه وسلم ذهب يزور الأعمى، وسمّاه بصيراً، فقال: انطلقوا بنا إلى البصير، وهذا فيه تلطف في الوصف، واحترام لمشاعر الآخرين.
ومن ذلك أيضاً ما جاء في حديث محمود بن الربيع الأنصاري أن عتبان بن مالك، وهو من أصحاب رسول الله ممن شهد بدراً من الأنصار أتاه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا رسول الله، إني رجل ضرير البصر، وأنا أصلي بقومي، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبين مسجد قومي، وحُبستُ عن مسجد قومي، ولم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم، وودتُ يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم سأفعل إن شاء الله.
يوضح د.خليل مأمون فى «الاستيعاب فى معرفة الأصحاب»، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يولي أصحاب العاهات مسؤوليات، ومهمات، ويكلفهم بأشياء، ويضعهم في مكان سلطة، ومن ذلك ما وقع في غزوة أحد عندما خرج النبي لقتال المشركين، فولى ابن أم مكتوم الإمامة، بل إنه أوكل إليه الأذان. وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرتين يصلي بهم وهو أعمى (رواه أبو داود). واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً بن جبل وهو أعرج في إحدى قدميه فأرسله قاضياً وأميراً على اليمن، فلم تمنعه إعاقته عن تولي المناصب الرفيعة.
من مراعاته لأصحاب العاهات، كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر بشدة من إيذائهم، لأنهم ضعفاء. وعن عكرمة ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم «ملعون من كمه أعمى عن طريق» يعني: أضله عن طريقه.
وفي ميدان الجهاد ضرب ذوو الإعاقة أروع الأمثلة في التضحية والفداء، وقصة الصحابي الجليل عمرو بن الجموح دليل على ذلك، إذ كان أعرج شديد العرج، وكان له أربعة أبناء شباب يغزون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا، فلما أراد صلى الله عليه وسلم أن يتوجه إلى أحد قال له بنوه: إن الله عز وجل قد جعل لك رخصة فلو قعدت فنحن نكفيك فقد وضع الله عنك الجهاد، فأتى عمرو بن الجموح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: إن بنيّ هؤلاء يمنعوني أن أخرج معك، والله إني لأرجو أن أستشهد فأطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال له صلى الله عليه وسلم أما أنت فقد وضع الله عنك الجهاد، وقال لبنيه: وما عليكم أن تدعوه لعل الله يرزقه الشهادة، فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل يوم أحد شهيداً (رواه البيهقي).
وعن موقف طلحة بن عبيدالله، وكانت له يوم أحد اليد البيضاء وأبلى بالدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلاء حسناً، حتى شلت يده التي وقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد المشهود لهم بالجنة. ومن رحمة النبي بذوي الإعاقة قوله:«ما من مسلم يُشاكُ شوكة فما فوقها إلا كُتبت له بها درجة ومُحيت عنه بها خطيئةُ»
الخليج