د. أحمد الوهيبي يكتب: الإعاقة بين التمكين والشفقة

0 4

سنابل الأمل / متابعات

د. أحمد الوهيبي

في وطن الخير والإنسانية لا يمكن إنكار الجهود الكبيرة والمباركة التي تبذلها الجهات المعنية في سلطنة عمان لخدمة الأشخاص ذوي الإعاقة من تشريعات متقدمة وبرامج داعمة كان آخرها قانون التقاعد المبكر لذوي الإعاقة الذي يعد نقلة نوعية في مجال الرعاية والتمكين.

 

فهذا القانون لا ينطلق من باب العطف، بل من إدراك علمي وإنساني بأن بعض فئات الإعاقة كذوي الإعاقة الحركية قد تتعرض لأمراض مزمنة كالروماتيزم المبكر مما يجعل من التقاعد المبكر استحقاقا منصفا لا منة ولا تفضلا. ومع ذلك ما زالت نظرة المجتمع رغم حبه وتعاطفه تميل في كثير من الأحيان إلى زاوية الشفقة أكثر من التمكين. فالعطاء بدافع الشفقة قد يريح الضمير لكنه لا يصنع التغيير ولا ينتج مجتمعات دامجة. أما التمكين فهو أن نمنح الفرصة لا المشاعر وأن نهيئ البيئة لا الأعذار.

 

ياسر شاب عماني من ذوي الإعاقة الحركية يجسد هذه المفارقة بكل تفاصيلها. يعمل موظفا في إحدى الوزارات ويقود سيارته بمساعدة سائق خاص ويعيش حياة منتجة لا تعرف الاستسلام. احتاج ذات يوم إلى تعديل سيارته لتصبح ملائمة لكرسيه المتحرك فبحث في أرجاء سلطنة عمان عن ورشة قادرة على تنفيذ التعديلات بمواصفات أمان عالية فلم يجد.

 

اضطر للسفر إلى دولة مجاورة ودفع تكاليف باهظة تفوق طاقته فقط ليحصل على حق بسيط من حقوقه في التنقل.

 

يقول ياسر بأسى: ربما هناك من يقوم بهذه التعديلات هنا لكني لم أجد أحدا يعرف ولا جهة أرشدتني. القضية ليست في غياب الرحمة بل في غياب المنظومة التي تترجم الرحمة إلى تمكين، فوزارة التنمية الاجتماعية مشكورة توفر الكراسي المتحركة مجانا لكنها لا تستطيع إنشاء ورش متخصصة لتعديل السيارات لأن ذلك من اختصاص القطاع الخاص والقطاع لم ينتبه بعد إلى أهمية هذا المجال وكأن حاجات الأشخاص ذوي الإعاقة مؤجلة أو هامشية.

 

أما ماجدة فهي قصة أخرى من قصص الإرادة، امرأة أصيبت بشلل في طفولتها لكنها تحولت إلى نموذج للإنجاز والتفاني في عملها،  كانت شعلة نشاط لا تخمد وشاركت في تطوير مؤسستها عبر مبادرات واستراتيجيات ناجحة،  ومع ذلك لم ترشح يوما لمنصب قيادي رغم كفاءتها،  سمعت زملاءها ذات يوم يقول أحدهم: ماجدة تستحق أن تكون مديرا عاما فرد الآخر: لكن هذه الوظيفة تحتاج تنقلات كثيرة وهي لا تستطيع. تبتسم ماجدة بمرارة وتقول: كيف لا أستطيع وأنا أتحرك في كل مكان وأُنجز ما يعجز عنه غيري ألا يعلمون أن من يتولى منصبا أعلى في عمان يمنح تسهيلات تمكنه من تجاوز العقبات لا التوقف عندها.

 

كلمات ماجدة تختصر مأساة النظرة الاجتماعية التي لا تزال تقيد الطاقات خلف جدران الشفقة. فالأشخاص ذوو الإعاقة لا يحتاجون إلى نظرة عطف تضعفهم بل إلى ثقة تقويهم. لا يريدون أن يعاملوا كقضية إنسانية فحسب بل كشركاء فاعلين في البناء والتنمية.

 

إن الإعاقة لا تعني العجز ولا تعرف الكسل. فكم من عالم ومفكر وأديب غير مجرى التاريخ رغم إعاقته الجسدية إنهم دليل على أن القوة ليست في الجسد بل في الإرادة وأن الوطن لا ينهض إلا حين يضع التمكين مكان الشفقة والعدالة مكان التمييز والإيمان بالقدرات مكان الخوف من الاختلاف. فلنجعل من التمكين ثقافة يومية ومن الشراكة مبدأ راسخا ولنعمل جميعا لتتحول الشفقة إلى دعم عملي يفتح الأبواب أمام كل ياسر وماجدة في هذا الوطن حتى يثبتوا للعالم أن الإعاقة ليست ضعفا بل طاقة تنتظر من يؤمن بها.

 

الإعاقة ليست نهاية الطريق بل بداية طريق مختلف طريق يرسم بالإصرار ويضاء بالأمل.

 

الخبر السابقإجراء أول عملية زراعة لجهاز التحفيز العصبي للعمود الفقري في سلطنة عُمانالخبر التاليسُموّ السّيد ذي يزن يرعى حفل يوم الشّباب العُماني بقلعة صحار

 

شؤون عُمانية صحيفة إلكترونية مرخصة من وزارة الإعلام، ومختصة بمتابعة الشأن المحلي وقضايا الرأي العام، وتصدر عن النهار للإعلام الرقمي.

 

 

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق