الأرز الذهبي» ثورة علمية تُنقذ الملايين من العمى وسوء التغذية

0 6

سنابل الأمل / متابعات

بقلم: أ.د.خالد فتحي سالم

 

أستاذ بقسم البيوتكنولوجيا النباتية بمعهد الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية جامعة مدينة السادات

 

أ.د.خالد فتحي سالم

في عالمٍ يشهد تحدياتٍ متزايدة في الأمن الغذائي وسوء التغذية، يبرز “الأرز الذهبي” كأحد أبرز الابتكارات العلمية التي تجمع بين التكنولوجيا الحيوية والإنسانية في آنٍ واحد. إنه صنف من الأرز المعدل وراثيًا تم تطويره ليُنتج فيتامين (أ) في حبوبه، مساهمًا في الحد من نقص هذا الفيتامين الذي يُصيب الملايين، خصوصًا الأطفال في آسيا وأفريقيا.

ولادة فكرة الأرز الذهبي

بدأت القصة في أوائل التسعينيات، عندما لاحظ العالمان إنغو بوتريكوس من سويسرا وبيتر باير من ألمانيا حجم معاناة الأطفال في الدول النامية بسبب نقص فيتامين (أ)، الذي يؤدي إلى العمى والموت المبكر. ومن هنا انطلقت فكرتهما: “لماذا لا نحول الأرز – الغذاء الأساسي لمليارات البشر – إلى مصدر لهذا الفيتامين؟”

وبعد سنواتٍ من البحث والتجريب، أُعلن عام 2000 عن تطوير أول صنف من الأرز الذهبي، في إنجاز وصفته مجلة Science بأنه “اختراق علمي لخدمة الإنسانية”. ثم تم تحسين السلالة لاحقًا في عام 2005 لتصبح أكثر غنى بالبيتا كاروتين، وهي المادة التي يحولها الجسم إلى فيتامين (أ).

 

 

الأرز الذهبي… من المختبر إلى الحقل

 

لم تكن الطريق سهلة، فقد استغرق الأمر أكثر من عقدين من الدراسات البيئية والتغذوية، قبل أن يُسمح بزراعته تجاريًا لأول مرة في الفلبين عام 2021، لتصبح الدولة الأولى في العالم التي تعتمد هذا الصنف رسميًا.

ومنذ ذلك الحين، تجري بنغلاديش والهند وفيتنام تجارب ميدانية تمهيدًا لاعتماده، خاصة في المناطق الريفية التي تعاني من سوء تغذية مزمن.

 

كيف يُنتج الأرز الذهبي فيتامين (أ)؟

 

تم تعديل جينات الأرز لإضافة جين من الذرة وجين من بكتيريا طبيعية، ما مكن النبات من إنتاج البيتا كاروتين في الحبوب نفسها، وليس فقط في الأوراق كما في الأرز العادي.

وهكذا، أصبحت حبوب الأرز بلونٍ ذهبي مميز، لكنها في الحقيقة تحمل قيمة غذائية مضاعفة دون أن تتأثر إنتاجيتها أو طعمها.

 

إنقاذ الأجيال… بلونٍ ذهبي

 

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يعاني نحو 250 مليون طفل حول العالم من نقص فيتامين (أ)، يموت منهم ما يزيد على نصف مليون سنويًا بسبب مضاعفاته.

هنا يتجلى دور الأرز الذهبي كأداة غذائية فعالة وغير مكلفة، يمكن أن تنقذ ملايين الأرواح دون تغيير العادات الغذائية أو الحاجة إلى برامج مكلفة للتوزيع الغذائي.

 

بين الجدل والأمل

 

ورغم أهميته، واجه الأرز الذهبي معارضة من بعض المنظمات البيئية التي تخشى تأثيرات الكائنات المعدلة وراثيًا على البيئة والتنوع الحيوي.

لكن في المقابل، يرى خبراء التغذية والزراعة أن هذا الابتكار يمثل “نموذجًا للعلم في خدمة الإنسان”، وأن فوائده تفوق مخاطره المحتملة متى ما تم تطبيقه وفق معايير الأمان الحيوي.

 

الأرز الذهبي… مستقبل الغذاء الذكي

 

اليوم، يُعد الأرز الذهبي مثالًا على كيف يمكن للعلم أن يقدم حلولًا مبتكرة لقضايا عالمية مزمنة، مثل الفقر الغذائي وسوء التغذية.

وبينما تتسارع الخطوات لاعتماده في مزيد من الدول، يبقى الأمل أن يتحول هذا “الذهب الزراعي” إلى رمزٍ لعصرٍ جديد من الأمن الغذائي المستدام.

 

الموجز المختصر

 

الأرز الذهبي ليس مجرد صنف من الحبوب، بل هو قصة إصرار علمي وإنساني، تكتب فصلًا جديدًا في معركة الإنسان ضد الجوع والمرض. فهل يكون هذا “الذهب الجديد” مفتاحًا لعالمٍ أكثر صحة وعدلًا؟

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق