مفهوم صعوبات التعلم والمفاهيم الأخرى المتصلة به
سنابل الأمل / متابعات
مقدمة:
سوف نتحدث في ذلك المقال عن مفهوم صعوبات التعلم وأيضًا بعض المفاهيم الأخرى المتعلقة به، حيث سوف يتم وصف التحديات التي يقابلها الأطفال خلال عملية التعلم، وبالرغم من أن بعض الأطفال قد يكونون مصابين بإعاقة جسدية أو نفسية إلا إن معظمهم أسوياء بالرغم من أنهم يعانون من صعوبة في مجموعة من العمليات المتعلقة بالتعلم مثل الفهم أو الإدراك أو القراءة أو التهجي أو التفكير أو الانتباه أو الكتابة أو النطق عن طريق شرح بعض المفاهيم الأخرى المتعلقة به.
مفهوم صعوبات التعلم والمفاهيم الأخرى المتصلة بالتعلم… حدود فاصلة:
إن مجال علم النفس في الوقت الحالي يزخر بالكثير من المشكلات والقضايا التربوية والنفسية، ومن أهم تلك المشكلات والقضايا هي مشكلات التعريف وقضاياه المزمنة، ومشكلات تحديد الفروق بين المصطلحات التي يتم الاعتماد عليها في نقطة بحثية معَينة بدقة، والصعوبة التي تنتج عن ذلك في النقل والترجمة حيث تستعصي المفاهيم وتتداخل في بعض الأوقات على نطاق الثبات والاستقرار، ويُعتبر مجال صعوبات التعلم Learning Difficulties من أهم المجالات التي تزجر بالقضايا المستعصية حتى وقتنا هذا في الترجمة والنقل والتعريف الدقيق للمصطلحات التي يتم الاعتماد عليها في ذلك المجال، وانطلاقًا من ذلك الإطار نرى أنه من الضروري أن نستعرض ماهية مشكلة المصطلحات المتنوعة التي يتم استخدامها في التعبير عن صعوبات التعلم Learning Difficulties, هذا إلى جانب الخلط الذي يَحدث لدى البعض من حيص استخدام مصطلحات أخرى في التعبير عن صعوبات التعلم مثل: مشاكل التعلم Learning Problems, العجز أو عدم القدرة على التعلم Learning Disabilities, بطء التعلم Slow Learner, التأخر الدراسي Under Achievement, والتخلف العقلي Mental Retradation,… إلخ.
ومختص صعوبات التعلم يستطيع أن يحدد مجموعة من الفروق بين تلك المفاهيم على الرغم من التداخلات الموجودة بينها، وهذا بالرجوع إلى الأعراض والأسباب وأساليب التشخيص، والتعريفات التي تختص بكل مفهوم من تلك المفاهيم.
وسليمان عبد الواحد ينصح بتحديد الفروق القائمة بين مفهوم صعوبات التعلم وباقي المفاهيم الأخرى التي تتداخل معه، وذلك ما يلي:
(أ) صعوبات التعلم ومشكلات التعلم:
إن مفهوم صعوبات التعلم يختلف عن مفهوم مشكلات التعلم وذلك من حيث إن صعوبات التعلم يتم استخدامها من أجل وصف فئة من الأشخاص يعانون من صعوبة في استيعاب المعلومات التي يتم تقديمها لهم، وأيضًا في استخدام اللغة المكتوبة أو المنطوقة، وهذه الصعوبة لا تكون بسبب تخلف عقلي أو اضطرابات بصرية أو سمعية، أما الأشخاص الذين يعانون من مشكلات التعلم فهم الأشخاص الذين لديهم انخفاض في مستوى التحصيل الدراسي راجع إلى ضَعف في الرؤية أو السمع أو اضطراب الانتباه، أو يكون بسبب الإعاقة العقلية، كما إن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في التعلم يكون قابلين بدرجة أكبر للتعرض للاضطرابات السلوكية التي تكون بسبب الفشل الدراسي، كما إنهم في المدرسة يكونون بعيدين عن الأنشطة التربوية.
وعلى صعيد آخر، نرى أن مفهوم صعوبات التعلم يتم استخدامه في إنجلترا بهدف وصف الطالب الذي يواجه مشكلات في تعلمه بخلاف أقرانه تكون سببًا في عدم مواصلته تعليمه بشكل جيد، وتلك المشاكل تُعزى إلى المنهج ومستواه وطبيعته، كما يتم استخدام ذلك المفهوم في أمريكا كبديل لمفهوم صعوبات التعلم حينما يكون لدى الطالب فرق في التحصيل أو الإنجاز أو في قدراته العقلية العامة إذا ما تم مقارنته بزملائه في العمر نفسه.
وبناءً على ذلك، فإن صعوبات التعلم سيتم استخدمها من أجل وصف فئة محددة من الأشخاص، وليست بشكل عام لجميع الأشخاص الذين يعانون من مشكلات في التعلم، بمعنى أن مشكلات التعلم عبارة عن مظلة أشمل وأعم من صعوبات التعلم التي لا تتجاوز كونها واحدة ضمن فئات أخرى مندرجة تحت مشكلات التعلم.
(ب) صعوبات التعلم وعدم القدرة على التعلم أو العجز عن التعلم:
قد أكد سليمان عبد الواحد أن مصطلح صعوبات التعلم – Learning Difficulties يتم استخدامه من أجل وصف فئة معَينة من الأشخاص الذين يعانون من صعوبة تعلم في الكتابة أو الحساب أو القراءة أو التهجي أو العلوم، وقد يكونون يعانون من مشكلة سيطرة الوظائف التي يَقوم بها أحد نصفي المخ الكرويين في معالجة المعلومات على الآخر، بينما مصطلح العجز عن التعلم أو عدم القدرة على التعلم فيتم استخدامه لوصف شخصٍ يعاني من اضطراب أو خلل وظيفي في أحد نصفي المخ الكرويين.
وأيضًا يُعتبر مفهوم صعوبات التعلم Learning Difficulties من أكثر المفاهيم تشابهًا مع مفهوم العجز عن التعلم أو عدم القدرة على التعلم Learning Dis-abilities, وهو من المصطلحات الشائعة في أمريكا وإنجلترا، وتمت ترجمته إلى اللغة العربية ليَرمز إلى صعوبات التعلم، في حين إن مصطلح Learning Disabilities فتمت ترجمته بشكل حرفي إلى العَجز عن التعلم أو عدم القدرة على التعلم، وقد انتهينا إلى التساؤل الآتي: هل يُعزى ذلك إلى الترجمة الإنسانية أم الترجمة الحَرفية؟
(ج) صعوبات التعلم والتأخر الدراسي:
إن مفهوم صعوبات التعلم يختلف عن مفهوم التأخر الدراسي، حيث إن مصطلح صعوبات التعلم يندرج تحته الأشخاص ذوي الذكاء المتوسط أو فوق المتوسط، والصعوبة عندهم تُعزى إلى عوامل مدرسية أو أسَرية أو نفسية وليست بسبب أي إعاقة حركية أو حسية أخرى، في حين إن مصطلح التأخر الدراسي تم التعارف عليه بأنه إعاقة تُعزى لأسباب غير عقلية مثل ضَعف السمع أو ضَعف البصر أو سوء التكيف الاجتماعي داخل المدرسة.
كما يتم الإشارة إلى مفهوم التأخر الدراسي أيضًا بأنه تدني أو انخفاض درجة التحصيل الدراسي للطالب ذي المستوى العادي في مادة دراسية أو أكثر، وذلك لأسباب متعددة ومختلفة، منها ما هو خاص بالطالب ذاته، ومنها ما يختص بالبيئة الاجتماعية والأسَرية والدراسية.
كما إن مصطلح صعوبات التعلم قد تعلَّق بالتأخر الدراسي وذلك بسبب تشابه فئتي التأخر الدراسي وصعوبات التعلم من حيث انخفاض مستوى التحصيل الدراسي والمشكلات الدراسية، اللذين يمثلان مظهر هاتين الفئتين الخارجي.
كما إن التأخر الدراسي له أسباب أخرى كثيرة محتمَلة كالأسباب الصحية أو الاجتماعية أو الصحية أو المدرسية، وبالتالي يمكِن أن يكون هناك طالب يعاني تأخرًا دراسيًا لسبب آخر غير نقص نسبة ذكائه عن المتوسط، بينما تعود صعوبة التعلم إلى أسباب نمائية أو أكاديمية معَينة تبعد كل البعد عن أسباب التأخر الدراسي المحتملة.
كما إن مفهوم صعوبات التعلم يختلف عن مفهوم التأخر الدراسي الذي يتسم بالشمولية والعمومية، حيث إن مصطلح التأخر الدراسي يشير إلى وجود مجموعة من المشكلات في سرعة إنجاز الطالب في المواد الدراسية التي قد تؤخر الطالب عن استكمال محطات الانتقال عبر الفرقة الدراسية المسجَّل بها إلى فرقة دراسية أعلى، والتأخر الدراسي يَحدث كنتيجة لأسباب متنوعة من ضمنها معاناة الطالب من صعوبات تعلم، بمعنى أن التأخر الدراسي يُعتبر أحد مظاهر صعوبات التعلم.
(د) صعوبات التعلم وبطء التعلم:
على الرغم من أن الأفراد الذين يعانون من صعوبات التعلم يَظهر لديهم انخفاض ملحوظ في التحصيل الدراسي في جميع المقررات الدراسية أو بعضها، إلا إن إمكانياتهم العقلية تكون في الغالب متوسطة أو فوق المتوسطة، بينما الأفراد بطيئو التعلم تُعتبر قدراتهم متأخرة بالنسبة لزملائهم في العمر الزمني نفسه، كما أن مستويات ذكائهم تتأرجح بين الحد الفاصل Borderline, وأقل من مستوى الذكاء المتوسط مع الوتيرة البطيئة في الإنجاز والتقدم الدراسي، وبالتالي لا يمكِن التعامل مع حالات بطء التعلم باعتبارها حالات صعوبات تعلم، وذلك بسبب أن بطيئي التعلم لا يوجَد تباين وتباعد ظاهر بين تحصيلهم الدراسي الفعلي وقدراتهم العقلية.
وبناءً على ما تقدَّم يتضح لنا مدى الاختلاف بين الأفراد بطيئي التعلم وبين ذوي صعوبات التعلم، حيث إن ذوي صعوبات التعلم يتسمون بذكاء متوسط أو فوق المتوسط، بينما يتسم الأفراد بطيئو التعلم بمعامل ذكاء بحد أقل من المتوسط، ولكنهم يختلفون عن المتخلفين عقليًا، حيث إن اتباع برامج تربوية علاجية أكاديمية قد ينتج عنه تحصيل أفضل بالنسبة للأفراد الذين يعانون من صعوبات تعلم عنه بالنسبة للأفراد بطيئي التعلم.
(هـ) صعوبات التعلم والتخلف العقلي:
إن مفهوم صعوبات التعلم يختلف عن مفهوم التخلف العقلي، حيث إن مفهوم صعوبات التعلم يتم استخدامه للإشارة إلى عدد من الأشخاص الذين لا يتمكنون من أن يستفيدوا من أنشطة وخبرات التعلم المتاحة سواء داخل الفصل الدراسي أو خارجه، بحيث لا يتمكنون من الوصول إلى المستوى الذي تتيحه لهم قدراتهم، ولكن يتم استبعاد من هذا الأشخاص المعاقين حسيًا أو جسميًا أو المتخلفين عقليًا.
وفي ذلك الصدد، يشير سليمان عبد الواحد إلى أن صعوبات التعلم تختلف عن الإعاقة العقلية اختلافًا واضحًا، وخصوصًا فيما يتصل بنسبة الذكاء، فالأفراد ذوي صعوبات التعلم ذكاءهم يكون غالبًا متوسطًا أو فوق المتوسط، وبذلك فهم يختلفون عن الأفراد ذوي الإعاقة العقلية الذين يتميزون بانخفاض نسبة ذكائهم عن المتوسط بدرجة كبيرة.
وإذا كانت صعوبات التعلم تُعزى لظروف أسَرية أو عوامل نفسية يكون لها تأثير على القدرة التحصيلية للشخص، فإن التخلف العقلي يكون بسبب أن النمو العقلي لم يكتمل بَعد، حيث يَظهر ذلك بشكل جلي في نسبة الذكاء بحيث يكون الشخص عاجزًا عن التوافق مع الحياة والبيئة والتعلم، ولهذا فإن الأشخاص الذين يعانون من تخلف عقلي توافقهم الاجتماعي يكون صعبًا كما أنهم يكونون أقل تعلمًا.
(و) صعوبات التعلم والتفريط التحصيلي:
وفتحي الزيات يعرِّف التفريط التحصيلي Ander achievement على أنه الفشل في توظيف أو استخدام الإمكانات أو الطاقات أو القدرات العقلية للشخص في التوصل إلى المستوى الأكاديمي أو التحصيلي المناسب لمستوى قدراته أو ذكائه، مما ينعكس على الأداء الأكاديمي الفعلي بانخفاض عن المتوقَّع ذي دلالة، وذلك بسبب عوامل انفعالية أو دفاعية، وبدون أن تكون هناك صعوبات نوعية معَينة أكاديمية كانت أم نمائية.
والأفراد ذوو التفريط التحصيلي يمكِن وصفهم بأنهم هؤلاء الطلبة المتعلمون ذوي متوسط مستوى التحصيل الأكاديمي الذي يقل عن المتوسط العام للأشخاص بانجراف معياري واحد، ومتوسط ذكائهم يزيد بمقدار انحراف معياري واحد، كما أنهم تنقصهم دافعية الإنجاز، والثقة بمعلوماتهم ومقدارهم، وأيضًا المثابرة في التصدي للصعاب، حيث إن الخاصية التي تَفصل بين ذوي التفريط التحصيلي وذوي صعوبات التعلم هي درجة التفريط التحصيلي.
ونحن نرى أن تفسير حالات ذوي التفريط التحصيلي يمكِن أن يتم في ضوء عوامل الإنجاز والدافعية، فتلك الفئة من الطلاب قد يُعزى ضَعف مستوى تحصيلهم الدراسي إلى قدراتهم الضعيفة، وقد يكون مركز ضبطهم خارجيًا، وقد يُعزى أيضًا سبب تأخرهم التحصيلي إلى الحظ والصدفة، ولذلك يُنصَح دائمًا بتدريبهم على معرفة الصلة بين النتيجة والسبب، بينما يمكِن تفسير حالات ذوي صعوبات التعلم في إطار حدوث خلل في الوظائف التي يَقوم بها نصفي المخ الكرويين وأيضًا اضطراب العمليات المعرفية، حيث إن من الخصائص التي يتميز بها الأفراد الذين يعانون من صعوبات التعلم عدم قدرتهم على استيعاب ما يَقومون بقراءته، وبالتالي يكونون غير قادرين على تمثيله واستيعابه واسترجاعه والاحتفاظ به، مما يؤدي إلى قصور بنيتهم المعرفية، وبالتالي عدم كفاءة التمثيل المعرفي للمعارف لدى أفراد تلك الفئة، ولهذا دلالة تحكم أحد أنواع معالجة المعلومات على الآخر أو وجود ضَعف في العمليات الخاصة بإعداد المعلومات يُعتبر محدِّد مهم وقوي في التمييز بين ذوي صعوبات التعلم وذوي التفريط التحصيلي.
(ح) صعوبات التعلم والإعاقة التعليمية:
إن مفهوم المعاقين تعليميًا يشير من الناحية التربوية إلى وصف عام للشخص الذي يشكو من ضَعفٍ في قدرته على التعلم بمختلَف محاولاته، وعلى ممارسة السلوك الاجتماعي السوي بسبب ضَعف ذلك الشخص جسميًا أو عقليًا أو حسيًا أو اجتماعيًا.
والسيد عبد الحميد قد ذكر أن مصطلح المعاقين تعليميًا Learning handicapped تم الإشارة إليه في موسوعة التدريب الخاصة على أنه مصطلح يتصل بتقديم خدمات التعليم للطلاب ذوي التخلف العقلي بدرجات متوسطة، وهم الطلاب ذوي التخلف العقلي الذين يَقبلون التعلم ولكنهم يعانون من تعويق تعليمي.
(ز) صعوبات التعلم واضطراب التعلم:
إن مصطلح اضطرابات التعلم يشير إلى تلف أو إعاقة Impairmenفي الجهاز العصبي تُعزى إلى اختلاف أو تباين في الجينات الوراثية أو حدوث تلف في المخ خلال الولادة أو عيوب في التغذية أو إصابة مخية أو حرمان حسي أو أي تأثيرات أخرى، في حين تشير صعوبات التعلم إلى عدم قدرة الفرد بشكل فعلي على أن ينجز مهمة محددة بالرغم من امتلاكه قدرات عقلية تكفي لإنجازها.
وبعض الباحثين قد يستخدمون مصطلح اضطرابات التعلم بهدف التعبير عن مشكلات التعلم بأنماطها كافة، في حين يُقصر بعض الباحثين ذلك المصطلح في التعبير عن الأطفال ذوي الإصابات المخية، إلا إن هناك بعض المآخذ على ذلك المفهوم، ومن بينها التداخل الظاهر بين ذلك المفهوم وبين مفاهيم أخرى مثل مفهوم المضطربين انفعاليًا، ومفهوم الإعاقة العقلية.
وبناءًا على ما تقدَّم، فإن إيجاد حدود تَفصل بين فئة صعوبات التعلم وباقي الفئات التشخيصية سوف يعمل على خفض نسبة التداخل بين تلك الفئات الأخرى، كما يقلل من الأخطاء التشخيصية، مما يعمل على زيادة صدق نتائج الدراسات والبحوث، وأيضًا يجعل البرامج العلاجية التي يتم تطبيقها على هذه الفئات فعَّالة.
قد أشار ذلك المقال إلى صعوبات التعلم ذات التأثير على الأسلوب الذي يتبعه الفرد في التعلم، والطريقة التي بتعامل على أساسها مع المعلومات، وكيفية تواصله مع الأفراد الآخرين، وتتضمن صعوبات التعلم في مجالات الحياة كافة وليس في المدرسة فقط .
موقع سندك