تشغيل “ذوي الإعاقة” في المؤسسات يصطدم بانعدام بيئة العمل المناسبة
سنابل الأمل / متابعات
هبة العيساوي
بالرغم من وجود قوانين وتشريعات، تنص على نسب تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة في المؤسسات الحكومية والخاصة، إلا أن إشراكهم في العمل، لم يصل إلى المأمول منه، لعدم تغير التفكير النمطي بشأنهم، وغياب بيئة العمل المناسبة لهم، وفق خبراء ومسؤولين.
وأشار الخبراء في أحاديثهم لـ”الغد”، إلى غياب الترتيبات التيسيرية المساعدة لتسهيل عمل هذه الشريحة، كوسائل النقل من وإلى المؤسسة التي يعملون فيها، إذ تعد هذه الوسائل من أبرز المعوقات المخفضة لنسب تشغيلهم، إلى جانب استمرار ضعف تعليمهم وانخراطهم في المجتمع، ما يجعل غالبيتهم غير مؤهلين للحصول على وظائف تناسب احتياجاتهم.
وأظهرت ورقة موقف أصدرها “بيت العمال للدراسات”، أنه في وقت بلغت فيه نسبة الأردنيين من ذوي الإعاقة 11.2 % من مجمل السكان، ممن تصل أعمارهم 5 أعوام فأكثر، إلا أن 24 % فقط ممن أعمارهم 15 عاما فأكثر، نشطون اقتصاديا، أي يعملون أو يبحثون عن عمل، بحيث لا تزيد نسبة المشتغلين منهم على 16 % من مجموع ذوي الإعاقة البالغين، أي أن 84 % منهم في سن العمل لا يعملون.
مديرة وحدة تكافؤ الفرص في المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، زيزان الكردي، قالت: “للأسف ما تزال لدينا مشكلة بتشغيل ذوي الإعاقة في المؤسسات، لوجود عوائق تحد من ذلك، مثل التفكير النمطي لأصحاب العمل بأنهم بحاجة للمساعدة، وليس لهم قيمة مضافة، وهم مكلفون، بخاصة لتوفير بيئة عمل تناسبهم”.
وبينت الكردي، أن لديهم مشكلة، تفيد باعتقادهم بأنهم لا يمتلكون المهارات الأساسية للعمل، جراء عدم التحاقهم بالتعليم المناسب، لافتة إلى التفكير النمطي حول عملهم، وحصره في أعمال معينة، وعدم النظر لما يمتلكونه من مهارات وشهادات علمية”.
وأكدت، أن القانون والتشريعات والأنظمة، تحدثت بوضوح عن نسب تشغيلهم في المؤسسات، وأنها تشدد على دور مفتشي العمل، للتأكد من تحقق هذه النسب في مؤسسات القطاع الخاص، لافتة إلى أن الهدف ليس التأكد من تحقق هذه النسب، بل يجب التأكد من توافر بيئة مناسبة تمكنهم من العمل، أسوة بغيرهم.
وأكدت، ضرورة توفير الترتيبات التيسيرية في المؤسسات ليتسنى لهم العمل، لتحقيق التكافؤ في الفرص.
ولفتت الكردي، إلى أن القانون، يتضمن مادة تتحدث عن تشكيل لجنة تكافؤ الفرص، أعضاؤها خارجون من المجلس، وفيها ممثلون للقطاع الخاص والحكومة، ومن مهامها متابعة ما يتعرضون له من انتهاكات في مواقع عملهم، لتسوية الخلافات في القطاعين العام والخاص.
وأضافت، أن هذه اللجنة تصدر تقارير فنية، بناء على تعديل قانون الخدمة المدنية، وفي حال ترشح أي منهم للعمل، يرد طلبه للجنة التي تحدد المطالبات التي يتوجب حصوله عليها، وأهمية توفير المؤسسة لها.
وقالت الكردي: “نحن كمجلس نقيم دورات توعوية وتشجيعية للقطاعات كافة، لرفع نسبة تشغيل ذوي الإعاقة، ونزور المؤسسات ونحفزها على نشر الوعي بشأن عملهم”.
الناطق الإعلامي لوزارة العمل محمد الزيود، قال: “إن الوزارة أنشأت منذ نهاية العام 2015 قسما لتشغيلهم، كما ضمنت ذوي الإعاقة في الخطط السنوية لمديرية التشغيل، وأدرجت أنشطة توعوية وتدريبية لموظفي الوزارة والجهات الشريكة، لرفع سوية الوعي حول قضايا الإعاقة”.
وأشار الزيود، إلى إصدار نظام تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة رقم (35) لسنة 2021 بمقتضى المادتين (13) و(140) من قانون العمل، كما أصدرت دليل تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة، المعني بقضايا الإعاقة المتعلقة بالعمل كافة، وعقدت تدريبات متخصصة في المحافظات، للباحثين منهم عن العمل، ولأصحاب العمل حول الجانب القانوني الخاص بهم، والتعريف بالترتيبات التيسيرية المناسبة لهم وتوفيرها في مواقع العمل.
ولفت الزيود لاستهداف ذوي الإعاقة، ضمن الباحثين عن عمل في البرنامج الوطني للتشغيل، بإدراج أيقونة خاصة بالباحثين منهم عن العمل، على المنصة الوطنية للتشغيل “سجل”.
وأشار، إلى أن العمل جار بالتعاون مع المجلس لتوفير قاعدة بيانات للباحثين عن العمل منهم، كما يجري تزويد الوزارة بأسماء الملتحقين منهم في البرامج التدريبية بمؤسسة التدريب المهني، لكي تربط بفرص العمل عند الطلب.
وأكد الزيود، أن الوزارة تسعى لزيادة فرص العمل المتاحة لهم بتنظيم حملات تفتيشية، للتأكد من مدى التزام أصحاب العمل بتطبيق أحكام المادة (13) من قانون العمل.
وأضاف، أن الوزارة أدرجت تشغيلهم، على بنود “القائمة الذهبية” لها، وبموجبها يجري تطبيق تقنيات حديثة، لتقييم التزام الشركات المتقدمة للبرنامج بمتطلبات العمل وشروطه ومعاييره الدولية المعتمدة، عبر التدقيق الفعلي لأداء الشركات وتوافقها مع المعايير والآليات المعتمدة للبرنامج، بالتنسيق والتشاور المستمر معها.
يشار، إلى أن ورقة الموقف لبيت العمل قالت: “إنه وبالرغم من النصوص التشريعية التي ضمنت ونظمت حق العمل لذوي الإعاقة، إلا أن قضية تشغيلهم وإدماجهم في سوق العمل، ما تزال تشكل إحدى أهم المعضلات التي يواجهونها في حياتهم، سواء في الوزارات والمؤسسات الحكومية، أو في القطاع الخاص، وما تزال المحاولات الهادفة لتحقيق ذلك، قاصرة ولم تحقق الحد الأدنى من أهدافها التي رسمتها التشريعات في تولي الوظائف العامة، وكذلك في الحصول على فرص عمل في القطاع الخاص”.
وأشارت الورقة، إلى التحديات التي تقف أمام ذوي الإعاقة، وتتمثل بعدم استجابة المؤسسات الرسمية والخاصة لتشغيلهم، بحجة عدم مناسبة طبيعة الوظيفة لإعاقة الشخص المترشح للتعيين، وعدم توافر البنية التحتية اللازمة فيها لهم، واستبعادهم من العمل أو التدريب على أساس الإعاقة أو بسببها، وبأنهم يشتكون من تعرضهم لحالات استبعاد من العمل أو التدريب، على أساس الإعاقة أو بسببها، كما ويعاني بعضهم من عدم قدرة المسؤولين في مواقع العمل، على التعامل مع طبيعة إعاقاتهم والتواصل معهم.
وتمثل الترتيبات التيسيرية الواجب توفيرها في مواقع العمل، وإمكانية الوصول لهم، أهم الالتزامات المترتبة على المؤسسات في مجال تشغيلهم وأصعبها، لأنها تتطلب تعديلات بنيوية في مقار العمل، تكون مكلفة غالبا، وفي أحيان أخرى، يصعب تحقيقها، جراء طبيعة بعض مواقع العمل، لقدم إنشائها أو لتصميمها غير الملائم، كما أن هناك عدم جدية في السعي لتوفيرها في مؤسسات، على اعتبار أنها ليست أولوية.
وطالبت الورقة، بإنفاذ أحكام قانوني العمل وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وإلزام مؤسسات القطاعين العام والخاص بتشغيل النسبة التي يوجبها القانون من ذوي الإعاقة، واتخاذ إجراءات رادعة بحق المخالفين لذلك.
يشار، إلى أن المادة (25/ه) من قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، أوجبت على الجهات الحكومية وغير الحكومية، التي لا يقل عدد العاملين وموظفين في أي منها عن 25 ولا يزيد على 50، بتشغيل شخص واحد على الأقل من الأشخاص ذوي الإعاقة ضمن شواغرها، وإذا زاد عددهم في أي منها على 50 عاملا وموظفاً، تخصص نسبه تصل لـ4 % من شواغرها لهم، وفقاً لما تقرره الوزارة.
وأكدت المادة (13) من قانون العمل رقم (8) لسنة 1996 النافذ على ما جاء في المادة (25) من قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، إذ أوجبت على صاحب العمل أن يشغل من العمال ذوي الإعاقة النسبة المحددة في القانون النافذ، ووفق ما ورد فيه من شروط، وإرسال بيان للوزارة، يحدد فيه الأعمال التي يشغلها ذوو الإعاقة وأجر كل منهم.
وقد صدر في أيار (مايو) من العام 2021، نظام تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 35، وقد حدد التزامات ومهام الأطراف المعنية بتوفير فرص العمل لذوي الإعاقة في القطاعات الخاضعة لقانون العمل، وضمان بيئة العمل المناسبة لاحتياجاتهم، والترتيبات التيسيرية لذوي الإعاقة التي يجب توفيرها في بيئة العمل.
وعلى صعيد التوظيف في القطاع العام، أوجبت المادة (45) من نظام الخدمة المدنية رقم (9) لسنة 2020، تعيين ذوي الإعاقة وفقا لتعليمات اختيار وتعيين الموظفين في الوظائف الحكومية من الفئات الأولى والثانية والثالثة والعقود الشاملة، وأن تلتزم الدائرة بتوفير الترتيبات التيسيرية، لتمكينهم من ممارسة العمل، وفقاً لتقرير يصدر عن لجنة تكافؤ الفرص المشكلة في المجلس الأعلى.
مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أحمد عوض، قال: “إن التشريعات الأردنية سواء قانون العمل أو قانون حقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة، تتواءم مع التشريعات الدولية بشكل ممتاز، وهي متقدمة وجرى التعديل عليها في السنوات الماضية، بحيث أصبحت تنظم تشغيلهم في القطاعات الاقتصادية”.
وبين عوض، أن تلك التشريعات فرضت على المؤسسات التي لديها أقل من 50 موظفا أن تشغل في الحد الأدنى شخصا واحدا من ذوي الإعاقة، والتي لديها أكثر من 50 موظفا، يجب أن توظف في الحد الأدنى 4 % من عدد موظفيها.
وقال: “إن تطبيق هذه التشريعات في الأردن ضعيف جدا، ولا يزيد على 1.5 % في بعض القطاعات، ولكن يوجد تحسن عبر الأعوام بتوظيفهم، وهذا أمر إيجابي ويجب تعزيزه”.
وبين عوض، أنه يفترض أن يوازي ذلك ليس فقط تعديل التشريعات، وتشجيع القطاع الخاص، بل علينا تحفيز القطاع الخاص للتشغيل، ولكن بين أنه في القطاع العام للأسف الشديد، فإن نسبة تشغيل ذوي الاعاقة ضعيفة جدا، ويجب عليهم الالتزام بالقانون.
وقال عوض، إنه على الحكومة تأهيل ذوي الإعاقة في كل مراحلهم التعليمية من المدرسة، حتى الجامعة والتدريب المهني، يجب أن يكون هناك برامج تؤهلهم كل حسب إعاقته لدخول سوق العمل.
وأكد، أنه يجب أن تكون هناك ترتيبات تيسيرية في المنظومة التعليمية، بحيث يستطيع هؤلاء الالتحاق بالمؤسسات التعليمية، لكن هذا الأمر ضعيف في الأردن، إضافة لذلك يجب توافر ترتيبات تيسيرية أيضا في مؤسسات العمل، والشركات لتمكينهم من الالتحاق بالعمل.
الغد