منى عاشور أول «واعظة إشارة» بمصر لـ«الأهرام»: جهود كبيرة من الأزهر لتعليم «الصم» صحيح الدين
سنابل الأمل / متابعات
جهود كبيرة يبذلها الأزهر لتعليم «الصم» صحيح الدين، لأن كثيرا منهم يجهلون الأحكام الشرعية، ولا يعرفون إلا القشور منها»، بهذه الكلمات، عن أهمية تعليم «الصم» الثقافة الدينية الصحيحة، تتحدث منى عاشور إبراهيم، الواعظة فى الأزهر الشريف بالجيزة، وأول واعظة فى مصر والشرق الأوسط تجيد لغة الإشارة، والحاصلة على دبلومة فيها، وباحثة الدكتوراة بقسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر، وعضو المنظمة العربية لمترجمى لغة الإشارة.
وتكشف -فى حوارها لـ«الأهرام»- أن التعامل مع هذه الفئة من المجتمع، يكون عن طريق تمثيل المعلومة بالصور والفيديوهات، والاستعانة بأولياء أمورهم، واستخدام «وسائل التواصل الاجتماعى» للشرح من خلال بث مباشر، أما التواصل فيكون من خلال مجمع البحوث الإسلامية، ووحدة «لم الشمل»، و«مناطق الوعظ» بالمحافظات، مطالبة بإتقان «لغة الإشارة» فى جميع التخصصات، حتى تتحقق طفرة كبيرة فى حياة هذه الفئة. وإلى نص الحوار:
بصفتك واعظة بالأزهر، ومتخصصة فى لغة الإشارة؛ كيف ترين خطر الأمية الدينية على فئة «الصم»؟
«الصم» من فئة ذوى الهمم، وهم أكثر فئة تحتاج إلى معرفة أمور الدين، خاصة ما يعينهم على تحمل قسوة الظروف التى يعيشونها، فيكفى أنهم يشعرون بالغربة وسط عائلاتهم، فكثيرا ما يتعرضون للتنمر، ويكمن الخطر فى أن هذه الفئة تُعد صيدا ثمينا لأصحاب الأفكار الهدامة، وأعداء الدين والوطن، فكل من يريد إيصال فكرة معينة لهم يوصلها بسهولة ويسر ودون أن يشعر أحد، وهذا يحدث فى أحايين كثيرة.
الأزهر.. والمعوقات
وما دور الأزهر فى دعم وتعليم «الصم» صحيح الدين؟
الأزهر – برعاية كريمة من شيخه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، ومن منطلق مسئوليته فى عدم تهميش تلك الفئة فى مجتمعنا- وجَّه بتسخير الإمكانات لتعليمهم صحيح دينهم مما يساعدهم فى التعايش فى هدوء وسلام، حيث قام مجمع البحوث الإسلامية بتعليمنا كواعظات لغة الإشارة، لعدم ترك تلك الفئة المهمة بمجتمعنا فريسة لأصحاب الفكر الضال.
وأين فئة «البكم» من اهتمامكم؟
«البكم» فئة تجيد السمع، لكن لا يستطيعون الكلام، ومن السهل لهم تعلم القراءة والكتابة، بخلاف «الصم»، إذ إن لغة الإشارة أجدى لهم.
وهل ترين أهمية فى تعلم الوعاظ والدعاة لغة الإشارة؟
بالطبع.. أهمية عظمى، لأن هذه الفئة كبيرة فى مجتمعنا، إذ يوجد لدينا ملايين من فئة الصم، ولأن الدعوة مهمة فى حياة الأفراد، فلا يصح ترك هذا القطاع الكبير من المواطنين بدون تعليمهم أمور دينهم، وإلا نكون قصرنا معهم.
وما المعوقات التى تحول دون تحقيق ذلك؟
تُوجد أكثر من 300 لغة للإشارة فى العالم تلتقى وتختلف فى بعض الإشارات، فنجد إشارات خاصة بكل دولة بل أبناء الدولة الواحدة إذ نجد اختلافات فى بعض الإشارات بين المحافظات أو مجموعة معينة من الصم، لذا نحتاج لجهد كبير كى نستطيع دراسة واستيعاب كل هذه اللغات للتواصل مع الأصم، كما يوجد كثير من الصم ممن لم يدرس الإشارة أصلا، وهذا قد يتعامل مع أسرته بإشارات من اجتهاداته وليست معروفة للصم، إلى جانب أن التعامل مع الأطفال الصم صعب، فلا هم درسوا لغة الإشارة، ولا هم يستطيعون كتابة كلمة، وهؤلاء يحتاجون إلى جهد كبير، لذا أتعامل معهم عن طريق تمثيل المعلومة من خلال صور وفيديوهات، والاستعانة بأولياء أمورهم.
شاع أن «الأصم» يستطيع القراءة، فهل هذا صحيح؟
لا.. هذا مخالف للواقع، فالأصم حتى لو كان خريج جامعة، لا يستطيع قراءة الجمل العادية أو كتابتها بشكل صحيح، فما بالنا بقراءة الكتب الدينية، حتى إنهم يتعلمون إشارة المصطلحات الدينية بصعوبة، فالتعامل مع الصم يكون عن طريق لغة الإشارة فقط، وليس القراءة والكتابة كما كنا نعتقد. وهذا بالنسبة للأصم -الذى وُلد بهذه الإعاقة أو طرأت عليه فى سن مبكرة- أقصى ما يمكن معه، وهو كتابة كلمة، فلو سألته عن اسمه بلغة الإشارة قد يكتبه لي.
التواصل.. والتنوع
إلى أى مكان يتوجه الصم لتلقى «صحيح الدين»؟
من خلال طرق وأماكن متنوعة، أهمها التوجه إلى وحدة لم الشمل بالأزهر، أو إلى مقر لجنة الفتوى القريبة من أى «أصم» بالمحافظات، وقد يتواصل معى الشيخ أو يستعين بأحد المترجمين، ولى فى صباح كل يوم أربعاء درس فى مقر لجنة الفتوى بالعياط بالجيزة، حيث يحضر «الصم»، فأعطى لهم درسا دينيا، وأعلم أولياء الأمور لغة الإشارة، وأتناقش معهم فى قضاياهم.
كما ألقى درسا عبر النت «أون لاين» للنساء يوم الأربعاء أيضا من كل أسبوع، على برنامج «جوجل ميت»، ويحضره العديد من الصم من محافظات مختلفة، كما يوجد درس خاص بالرجال «أون لاين»، وحتى فى شهر رمضان لنا درس أسبوعى فى الجامع الأزهر، وطوال الوقت يوجد اتصال مستمر بـ«الصم»، فمن لديه استفسار يرسله عن طريق الماسينجر أو واتس فيديو، أو تسجيل فيديو بالسؤال، وأقوم بالرد، ولنا صفحة على «فيس بوك» تحت إشراف الدكتورة إلهام شاهين، المسئولة عن شئون الواعظات بالأزهر.
وأناشد أى مدرسة أو جمعية أو أى مكان به فئة الصم، التواصل مع أقرب منطقة وعظ لهم أو مع أمناء مجمع البحوث الإسلامية، وسيتم ترشيح أقرب واعظ أو واعظة لهم، فإن كان الأصم يجيد لغة الإشارة فبها وإلا سيقوم الواعظ بالذهاب والاستعانة بأحد المترجمين.
ما الموضوعات التى يتم التركيز عليها مع «الصم»؟
المسائل الدينية العامة، خاصة المتعلقة بالأصم، وأراعى فى كل موضوع أن أستخرجه من القرآن الكريم، وأصوغه فى منهج ذى دورات متواصلة، كما أشر ح لهم سور القرآن وتدبرها وإسقاطها على الواقع للاستفادة منها، لأن الأصم لا يسمع القرآن الكريم، وبالتالى لا يعرف النطق الصحيح.
المترجم.. والتفاعل
وكيف ترين أهمية وجود مترجم لهذه الفئة؟
مترجم الصم هو بمثابة النور الذى يضيء الظلام لتلك الفئة المحرومة من نعمة السمع، لذلك يجب أن نثمن دورهم وندعمهم، ففكرة وجود الداعية ومعه مترجم له بلغة الإشارة ليست الأصل.
هل «وسائل التواصل الاجتماعى» تساعد فى تحقيق الهدف؟
بالتأكيد.. تلك الوسائل لها دور مهم فى ذلك، إذ نستخدم وسائل التواصل الاجتماعى للشرح لهم فى بث مباشر، والأصم مثل أى شخص يتحدث بلغة أجنبية، وطريقة التواصل بيننا تعلم لغة الإشارة، فالغالبية العظمى من الصم لا يجيدون القراءة والكتابة بشكل صحيح، وليست لديهم القدرة على قراءة قصة قصيرة، وفهم محتواها أو التعبير عما يدور بداخله كتابة، لذا تُوجد دروس مباشرة للصم فى المساجد والمدارس والجامعات لمساعدتهم فى الفهم والاندماج.
وما مدى تفاعل هذه الفئة معك كواعظة؟
الأصم نادرا ما يتعامل فى مدرسته أو جمعيته، مع داعية أو واعظة تحدثه مع وجود مترجم، فما بالك بواعظة تتحدث معه مباشرة ومن دون وسيط، فلا شك فى أن هذا مصدر سعادة لهم، فحينما نشرت «مقطع فيديو» بلغة الإشارة نهنئ فيه الصم باليوم العالمى لهم، بقيادة ومشاركة الدكتورة إلهام شاهين، حصد الفيديو عشرات آلاف المشاركات والتفاعلات، وأيضا حينما قمت بعمل مجموعة على «فيس بوك» خاصة بالصم، وجدت إقبالا كبيرا سواء من المصريين أوغيرهم، كما ينتظرون منى ومن زملائى اللقاء الأسبوعى بشوق، سواء فى لجنة الفتوى أو مدارس الصم، فتواصلنا مستمر على وسائل التواصل الاجتماعى، وقد صرنا جزءا من حياتهم، إذ يستشيروننا فى الأمور الدينية والشخصية.
أخيرًا .. كيف تُقوِّمين تجربتك فى التعامل مع هذه الفئة؟
التجربة متميزة وفريدة، وزادت شعورى بالمسئولية تجاه الصم، لذلك ليس من يسمع عن الصم كمن تعلم لغتهم، وتعامل معهم، فلو أتقن كل أهل تخصص لغة الإشارة، وتعاملوا مع الصم فترة من الزمن، فسنجد طفرة فى حياتهم فى شتى مجالات الحياة، وهذا ما نرجوه فى تدريب لغة الإشارة.
الأهرام