أسرار التغلب على صعوبات التعلم القرائية

0 9

سنابل الأمل/ متابعات

كتب د. بشير أبو حمّور  مستشار صعوبات التعلم 

جميل أن تتغير وجهة نظر الأهل تجاه ابنائهم من ذوي الصعوبات القرائية مِن الإحباط إلى الثقة بهم. وبدقة أكبر، أتمنى أنْ يعلم الوالدان أن أبنائهم يستطيعون أنْ يتعلموا القراءة، وأن لديهم مِن جوانب القوةِ ما يفوق جوانبَ ضَعفهم. كما أن إعداد الوالدان الجيد لأبنائهم الذين يُعانون من صُعوبات القراءة سينعكسُ على ثقتهم بأنفسهم، ونظرتهم لمُستقبلهم، وتفهُّمهم لأسلوب تعلُّمهم الفريد والمُختلف عن أقرانهم من الفئةِ العُمريةِ أو الصفِّية التي ينتمون إليها. وبناءً عليه فإنني أتقدمُ بالنصائح التالية للوالدين لمُساعدتهم على تب?ي اتجاهاتٍ أكثر إيجابية نحو أبنائهم المُعسِرين قرائياً:

1- لاحظْ نجاح طفلك.

كثيراً ما نسمعُ مقولة «طفلي لا يستطيعُ القراءة!» والتي تقولها الأم على مسمع من الطفل ومعلميه. وهنا يجب التوقف والسؤال «هل لدى طفلك جوانبق قوة»، فرُبما كان لديه موهبة في الرسم، أو أنه مُتمز لُغوياً، أو أن لديه مهاراتُ استماع يتفوَّقُ بها على أقرانه مِن الفئةِ العُمريةِ نفسِها. وبكلمات أُخرى، أنَّه لمن المُزعجِ أنْ نرى أنَّ مُعظمَ تركيزِ الوالدين مُنصب حول عجْز طفلهم القرائي والمتُزامن مع الإهمال غيرِ المُتعمد لكلِّ الأعمال التي يستطيعُ أنْ يقوم بها بشكل جيِّدٍ أو ممتاز. (مثال: حقيقة أن طفلك لا يستطيعُ قراءة?بعض الكلمات أو كتابتها لا يعني أنه لا يستطيعُ فهمَ النص المقروء شفويَّاً له، أو حتى حل أصعب المسائل الحسابيَّة). فالسماح لطفلك باستخدام جوانب القوة لديه يعززُ ثقته بنفسه، ويطور اتجاهات ايجابية نحو جوانب التفوق التي يمتلكُها.

2- احتفلْ بكل نجاح.

عزِّز طفلك على كل وظيفة دراسية نَاجحةٍ تم إتقانُها من قبله، فحتى التقدُّم البسيط أو قراءة بعضِ الكلمات يستحق طفلك أنْ يُعزَّزْ عليه. وعلى النَّقيضِ من ذلك فإنَّ التَّذكيرَ المُستمِرَّ بِمُستواه القرائيِّ المُتدنِّي مُقارنةً مع زملائه سيُحبطُه ويجعلُه يُكوِّنُ اتجاهاتٍ سلبيَّةٍ نحو القراءة. بالإضافةِ إلى ذلك فإنَّ التَّركيزَ المُبالغُ فيه على العلامات المدرسيَّة، كثيراً ما يقتل دافعيَّة الأطفال للقراءة, فالعلامةُ هي جزءٌ من الصُّورةِ وليست الصُّورةُ الكاملةُ. ولهذا هناك حاجةٌ ماسَّةٌ للتَّركيزِ على ما يستطي?ُ أطفالُنا قِراءَتهِ وليس فقط على أخطائهم أو علاماتهم.

3- كنْ صادقاً مع نفسك وحدد أهدافاً واقعية.

فعلى سبيل المِثال توقع أنْ يتخلص طفلُك الذي يُعاني من صعوبات التعلُّم القرائية من مُشاكله بين عشية وضُحاها هو هدفٌ غيرُ واقعي. فنتائجُ البحثِ العِلمي تُشيرُ إلى أنَّ العل الجادَّ والدؤوبَ والمُستمر يساهم في التقدمِ القِرائي المَطلوب ولكنْ لا يُخفي المُشكلة القِرائية لدى هؤلاء الطَّلبة. ولذلك فإنَّه من المُفيدِ أنْ يُخصص وقتا يوميًّا للقراءة المُشتركةِ مع الوالدين أو المستقلَّة حتّى تتطور قُدراتُ طفلك القرائيَّة تدريجيّاً.

4- لا تدعْ الضعف الإملائي يُوقفُ طفلك عن القراءة.

وهنا كثيراً ما أسمعُ أيضاً الوالدان يقولان: «طفلي ضعيفٌ جدّاً في الإملاء». ولهذا فالنَّصيحَةُ المُقدَّمةُ في هذا المجال «لا تدع الضعفَ الإملائي يمنعُ طفلك من الكتابة والقراءة» فالمُمارسةُ المُستمرةُ واستخدام الوسائل التكنولوجيَّة الحديثة (مثال: المُدقِّق الإملائي) ساعَدَ ويُساعدُ في نجاح الطَّلبة المُعسرين كِتابيّاً. فالقراءة والكتابة هما مهاراتان أساستيَّان لتعلُّمِ اللُّغة وكلاهما يُعزِّزُ الآخر.

5- تحدَّثْ مع أطفالك عن الصُّعوبات الخاصَّة بك.

تحدَّثْ مع طفلك عن الأعمال التي لا تُتقنَها. حيثُ أنَّ اعترافك بمُعاناتك من جوانب ضعفٍ مُعينةٍ يعد نوعًا من أنواعِ الدعمِ والمُساعدةِ لطفلك الذي يُعاني من صعوبات القراءة، وهذا بدوره ينعكسُ على فَهمِه بأن الناسَ لديهم جوانبُ قُوَّةٍ وضعفٍ مختلفة.

فمثلاً قد يتحدثُ أحد الوالدين عن ضَعفه المُرتبط بمُمارسة بعضَ أنواعَ الرِّياضات، ولكنْ مع التَّركيز على أنَّه دائماً يُحاولُ أنْ يحسِّنَ من نفسِه ليكون نموذجاً لطفلِه. والهدف من ذلك أنْ يعرف الأطفال أنَّ عليهم أنْ يستمرُّوا في تطويرِ قُدراتهم القرائيَّةِ حتى وإنْ ع?نوا من مُشكلات واضحة فيها، فالتوقف عن تدريب تلك القدرات يعني زيادة ضعفها.

6- إقرأ بصوت عالٍ لطفلك فهذه الاستراتيجيَّةِ مُفيدةٌ ومُمتعةٌ.

يجب أنْ يُقرأَ للأطفالِ الذين يُعانون من مشكلاتٍ قرائيَّة يوميّاً؛ فسماع شخصٍ آخر يقرأ لا يُساعدُ فقط على سماع اللُّغة، بل يزيدُ مِن مقدرةِ الطِّفل على الاستيعابِ والفَهم وحُبِّ النَّصِّ القرائي دونَ ربطه بمُعاناةِ القراءة التي يُعاني منها. وهذا بدوره يزيدُ من فُرصِ تركيزهم على مَعاني الكلمات، وتطويرِ معرفتِهم وثقافتِهم العامَّة، وزيادة استخدامهم لخيالهم.

7- الخطواتُ الصَّغيرةُ هي التي تجلبُ التحسنَ الكبير.

فمثلاً إذا كان طفلك قارئا مبتدئا أو لديه معدلُ قراءةٍ بطيءٍ جدَّاً، فسوفَ تبدأُ بتعليمه أصوات الحروف الأبجديةِ وأسمائِها. ثمَّ تعليمِه بعضَ المقاطعَ السَّهلة (با، ما، سا، مي)، ثم التدرُّب على دمجِ المقاطع الصوتية لتشكيلِ الكلمات (مثال: بابا، ماما، سامي). أما إذا كان طفلك أكثرَ استقلالية، فمن الممكنِ الجلوسِ معه يومياً قبل النومِ وقراءة قِصةٍ ممتعةٍ بصوتٍ عالٍ مع مراعاةِ المساعدةِ في الكلمات الصَّعبة. وهنا يمكن أيضاً مناقشة أحداث القصةِ وأبطالها بطريقةٍ جذابة.

8- لا بأس أنْ يقرأ بِبطء.

كثيراً ما يذكرُ الوالدان «ابني بطيء جداً في القراءة». وهنا يجبُ التأكيد على أن القراءة البطيئةَ هو أحدُ الخصائصِ الأساسية والمستمرَّةِ للأطفال الذين يُعانون من صُعوباتِ التعلُّم القرائية أو الدِسلكسيا، ومع هذا فإن قُدراتهم تتطورُ نحو الأفضلِ مع التَّدريب. وبلغةٍ أخرى، «القراءة البطيئة أفضل من عدم القراءة». وبناءً عليه فإن التَّركيزَ يجبُ أنْ يكون مُنصباً في البداية على القراءة الدقيقة والصحيحةِ للكلمات، ثمَّ على الطلاقة أو السُّرعةِ القرائيَّة.

وختاماً، فإنَّ الأطفال ذوي صعوبات التَّعلُّمِ لا يحبون العمل القرائيِّ لأنَّه من الأعمالِ المُجهدةِ والصعبة عليهم، ولهذا فهُم عادةً ما يتهرَّبون منه لتجنُّب الإحساسِ بالإحباطِ والفشل. وتُشيرُ نتائجُ البحثِ العلميِّ إلى أن هذه الاتجاهات السلبية تتغيَّرُ عندما يرى الأطفال أنَّ الآباء والأمهات والمُعلمين يعملون معاً لمساعدتهم. وهنا أود أنْ أذكرَ بالقاعدة العربية الأصيلة «ما لا يُدرَكُ كله، لا يُترَكُ جُلُّه»، فلايجدر بِنا التخلي عَن أمرما لمجرد أننا لم ندركه كله، فلو أدركنا أكثره كان خيراً أيضا. وهذه القاعدة تنطبق على كافة أوجه القراءة بقوة أيضا.

الرأي

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق