الاستثمار في ذوي الإعاقة والفرص الضائعة

0 10

سنابل الأمل / متابعات

د. شيماء سراج الدين عمارة 

امتداداً للموضوع الذي طرحته مسبقاً، والمعني بالأطفال ذوي الإعاقات الذهنية أو المصابين بطيف التوحد، فسأستكمل هذا الموضوع ولكن من منظور مختلف ألا وهو المنظور الاقتصادي المغلف بالنواحي الإنسانية.

فبادئ ذي بدء تعتبر الإعاقة بوجه عام من القضايا الهامة التي تتسبب في عرقلةتقدم المجتمعات وتنميتها، باعتبارها قضية ذات أبعاد مختلفة لا تؤثر فقط على الأشخاص الذين قد أصيبوا بأي من أنواع الإعاقات وبخاصة الإعاقات الذهنية ووصولاً إلى الإصابة بطيف التوحد والذي يؤثر على مظاهر النمو المتعددة للطفل ويؤدي إلى انسحابه وانغلاقه على نفسه، ليمتد تأثير الإصابة بالإعاقات الذهنية المختلفة على الأشخاص القائمين على رعايتهم أيضاً، ومن هذا المنطلق فإن الاهتمام المجتمعي بالأفراد ذوو الاحتياجات الخاصة أصبح أمراً تفرضه الضرورة الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية في ذات الوقت، وذلك من خلال الاهتمام بتلك الفئات ومنحهم القدر المناسب من الرعاية أو الاهتمام حتى يتسنى لهم الاندماج في المجتمع إلى أقصى حد تسمح به قدراتهم، مع إيلاء ذويهم سبل المساندة الممكنة حتى وإن جاءت تلك المساندة معنوية فقط بشكل يخفف من متاعب حياتهم.

وبناءً على نتائج اختبارات الذكاء IQفي عدد من الدراسات، فيمكن تصنيف حوالي 3٪ من إجمالي السكان على أن لديهم إعاقة ذهنية والتي تتنوع درجاتها ما بين إعاقات بسيطة إلى شديدة، تبدأ من نتيجة أقل من 70 درجة وتشتد صعوبة الإعاقة الذهنية كلما انخفضت قيمة اختبارات الذكاء.لنصل إلى التصنيف الذي يحتاج تقديم الدعم للشخص، لنجد أنحوالى 1٪ فقط من إجمالي السكان تكون لديهم إعاقات ذهنية شديدة. أما المصابين بطيف التوحد فتصل نسبة الإصابة في الأطفال إلى حوالي 2%، وهي نسبة متزايدة بمعدل نمو 17% سنوياً، ومن الجدير بالذكر أن المصابين بالإعاقات الذهنية أو التوحد قد يعانون من تأخر في تطور اللغة، و40 % منهم لا يتحدثون، وهو ما يعرضهم للتنمر والسخرية المجتمعية حيث يتعرض ما لا يقل عن 70% منهم لذلك. كما يؤثر ذلك على بنيتهم الجسمانية وتعرضهم للمخاطر.

وتعددت الأسباب للإصابة بتلك الإعاقات الذهنية أو طيف التوحد لتتنوع ما بين عوامل وراثية جينية، أو إصابات مرضية للأم أثناء فترة الحمل أو الولادة، أو عدم حصول الطفل على فرصة النمو الكامل ليؤثر الأمر على نموه العقلي، وقد يرجع الامر إلى أسباب اجتماعية حيث يرى فيها أصحاب هذا الرأي أن الإصابة بالتوحد قد ينتج عن إحساس الطفل بالرفض من والديه وعدم إحساسه بعاطفتهم فضلاً عن وجود بعض المشكلات الأسرية وهذا يؤدي إلى خوف الطفل وانسحابه من هذا الجو الأسري وانطوائه على نفسه وبالتالي تظهر عليه أعراض التوحد،فضلاً على فرط استخدام الأجهزة الإلكترونية، وكثرة شبكات المحمول والتطور التكنولوجي الإشعاعي المؤثر على الخلايا العصبية.

وإذا ما نظرنا إلى الجانب المشرق لبعض الحالات فقد لوحظ أن بعض حالات الإعاقات الذهنية لديهم مواهب خاصة، وبعض حالات التوحد تحصيلهم العلمي أعلى من أقرانهم لكنهم قد يكونوا غريبي التصرف مفرطي الذكاء والإدراك الذهني، صارمين، منعزلين، جديين، يكرسون أوقاتهم لمهنتهم ولأعمالهم أكثر منها لعائلاتهم، كما تشير بعض الدراسات إلى أن وجود طفل ذو إعاقة ذهنية في الأسرة يرجح منتعزيز ردود الأفعال العاطفية لدى ذويه وبخاصةً من يعتني بالطفل.

هذا وتعد دول أمريكا والخليج العربي ومصر من أكثر الدول إصابة لأطفالها بالإعاقات الذهنية والتوحد المرتبط بصعوبة الكلام والاضطراب السلوكي للأطفال وصعوبات التعلم، واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، دون وجود علاج شافٍ قطعياً حتى الآن، حيث يعتمد الإخصائيون على برامج التأهيل والتدريب، وبعض العقاقير، كالمكملات الغذائية والمنشطات لخلايا المخ.

وإدراكاً من المجتمع الدولي لخطورة الامر فقد حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثاني من إبريل من كل عام بوصفه اليوم العالمي للتوعية بمرض التوحد بهدف تسليط الضوء على الحاجة إلى تحسين حياة الأطفال والبالغين الذين يعانون من هذا المرض، بما يكفل لهم التنعم بحياة كريمة على أكمل وجه.

ويمتد الاحتفال ليشمل الشهر كله حيث تنظم ندوات ومناقشات وتعلن نتائج دراسات تستهدف في مجملها التوعية بهذا المرض الذي لا يعرف له سبب ولا علاج واضح على وجه التحديد، وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن الهدف من الاحتفال باليوم العالمي للتوعية بمرض التوحد لا يقتصر على إيجاد فهم لهذا المرض، وإنما يشكل الاحتفال دعوة إلى العمل. وحث جميع الأطراف المعنية على المشاركة في تعزيز التقدم عن طريق دعم برامج التعليم، وفرص العمالة، وغير ذلك من تدابير مساعدة.

وقد وجدت العديد من الدول المتقدمة من ذلك الأمر فرصاً استثمارية لنجد أن إنجلترا تشتهر بوجود مراكز متخصصة تجتذب آلاف الأطفال المصابين من الشرق الأوسط سنوياً لتقدم سبل العلاج والتعامل الممكنة بدءاً من توفير فرق طبية لتقييم الحالات من الأطفال، وتوفير علماء النفس ومعالجي الكلام واللغة والمعالجين المهنيين، ووصولاً إلى تصويب مسار عملية الدمج التعليمي.

لألتقط الخيط كاقتصادية، وأرى أن تلك الإصابات على الرغم من صعوبتها إنسانياً إلا أنها قد تكون فرص استثمارية اقتصادية يمكن أن تصنف ضمن فئة النجوم الصاعدة والتي إن لم تستغل فستصبح فرصة استثمارية ضائعة، لتبدأ الفرصة من تحديد أطراف العمل المحليين المشاركين من طب وثقافة وتعليم واستثمار، ليتم استهداف المزيد من الأبحاث الطبية والاجتماعية الموضحة لأسباب تلك الإصابات، مع محاولة الابتكار في كل من التشخيص وتقديم طرق العلاج والتعليم وتطوير المناهج بصورة أكثر ملائمة، مع عدم إغفال إظهار التجارب الناجحة كنوع من الترويج والانخراط في المجتمع الدولي المتعاون في هذا المجال ومن ثم الوصول إلى تحقيق الجذب الاستثماري المرغوب فيه من خلال إنشاء المزيد من المراكز الطبية والمدارس المتخصصة أو الطلب على تلقي خدماتها.

خبيرة اقتصادية 

shaimaaserag@hotmail.com

الأهرام

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق