مــــرض ”شاركوت مـاري تـوث“ كما لم يــعــرفــه كــــثــــرون.. تــجــربــة ملهمة
عمار النشيط: الإعاقة تحد ومثابرة
سنابل الأمل/متابعات
“شاركوت ماري توث”.. مرض شرس وخفي، يتسلل لضحاياه بصمت وعلى غفلة؛ فيلتهم الأعصاب الحركية والحسية في الأعضاء الطرفية من الجسم، ويشل الحركة ويسبب العجز. هو مرض كامن يتسرب في جسم الضحية ببطء؛ حتى يفرض وجوده ويعلن هويته. ويبدأ الضعف في السَّاقين، حيث يُسبب العجز عند ثني الكاحل لرفع الجزء الأمامي للقدم وضمور عضلات ربلة الساق، وتضمر عضلات اليدين في وقت لاحق. لتصبح اليدان والقدمان عاجزتين، وينتقل هذا تدريجيا إلى بقية الأطراف.
عمار النشيط أحد ضحايا هذا المرض النادر والمتوحش، كان ظلًا له منذ الطفولة وبملامح غير واضحة، وحين بدأت الأعراض تتطور بالتدريج، كان يقاوم فكرة أن هناك مشكلة، معتقدا أنه بالعلاج الطبيعي وممارسة الرياضة سيتحسسن وضعه؛ حتى باغته بوجهه الحقيقي البشع في سن الثلاثين؛ ليفرض واقعا جديدا عليه، ويقيد حركته، ويكون أسير الكرسي المتحرك. واقع جديد فرض عليه صعوبات غير متوقعة، ودخل في حالات التذمر، ما أثر على علاقاته الاجتماعية والأنشطة الرياضية؛ لكنه لم يستسلم لأقدار المرض، فقرر التمرد عليه ويتصالح مع ذاته، ويتعامل مع الوضع كما هو، ويعيش بالقدر المتاح، ويناضل من أجل واقع أفضل لذوي الإعاقة؛ فأنشأ منصة أصحاب الهمم البحرينية في الإنستغرام (bahrain_hemam@)؛ لتكون واجهة إعلامية لنشاطات وفعاليات ذوي الهمم، والتي حازت جائزة النواب لتمكين ذوي العزيمة، وجائزة عبدالله كانو للإعلام التطوعي والخيري.
“صحتنا” التقت عمار النشيط؛ ليتحدث عن تجربته.
بدايات التشخيص
أشار عمار إلى أنه في بدايات حياته وفي مرحلة الطفولة لم تكن أعراض المرض واضحة، حيث كانت هناك علامات من الضعف والفوارق في القوة الجسدية مع من هم في نفس عمره، حتى وصل للمرحلة الإعدادية، وحينها لاحظ هذا الاختلاف، خصوصًا في طريقة المشي، ولاحظ هذا أحد المعلمين في المدرسة، وأخبر والده بضرورة مراجعة المستشفى.
وعند مراجعة المستشفى لم يتم تشخيص حالته بأي مرض، وأمر الطبيب بمنحه جلسات للعلاج الطبيعي، واستمر بمراجعة المستشفى للعلاج الطبيعي مدة من الزمن، وبعدها انقطع عن العلاج؛ بسبب ارتباطه بالمدرسة في المرحلة الثانوية، وصعوبة الاستئذان المتكرر للخروج للمستشفى.
وأضاف “في هذه المرحلة، تعرضت لعدد من حالات التذمر مع تطور أعراض المرض بصورة أكبر، ما أثر على علاقاتي الاجتماعية والأنشطة الرياضية”. وأكد أنه لم يكن يتصور صعوبة المرض والى أي مرحلة يمكن أن يصل، لذلك لم يتخذ إجراء سريعا منذ البداية.
التعرف على المرض
وبين أنه في لبعام 2012، وبعد أن تطور المرض بشكل كبير واضطر لاستخدام العكاز للمشي، قام بمراجعة إحدى العيادات الخاصة، وكان فيها اختصاصي علاج طبيعي أجنبي، فبمجرد مشاهدته له وتعرفه على الإعراض أخبره بأنه قد يعاني من المرض “شاركوت ماري توث”، وطلب منه مراجعة مستشفى السلمانية لإجراء الفحوصات اللازمة للتأكد.
وفعلًا، بعد أخذ العينات اللازمة وإرسالها للخارج كانت النتائج إيجابية بتأكيد الإصابة بهذا المرض، حيث أخبره الطبيب أنه لا يوجد علاج، وأن الأعراض ستزداد مع التقدم في العمر، والإجراء الوحيد هو أن يكون العلاج الطبيعي جزءا من نظام حياته؛ لإبطاء تطور المرض.
البحث عن علاج دون جدوى
وأشار إلى أنه بحث عن العلاج عن طريق الأطباء في البحرين والاشتراك في مجموعات لها نفس المرض في الخارج خصوصًا في أميركا، ولكن الجميع كان متفقا على عدم وجود علاج لهذا المرض؛ خصوصًا أنه مرض جيني وراثي.
الكرسي المتحرك منحني الاستقلالية
وأشار إلى أنه استخدم العكاز قبل 12 عاما، وشعر عندها ببعض الخجل، أما الكرسي المتحرك فبدأ استخدامه قبل عامين تقريبًا؛ ولكن تأقلمه مع ذوي الإعاقة كان يمنحه شعورا بالراحة والاستقلالية.
وأشار إلى أن لحظات الضعف كثيرة في مسيرة الشخص المعوق؛ ولكنه تجاوز ذلك بالرضا بقضاء الله وحكمته والصبر وشكر الله؛ لأن هناك من هم أشد سوءًا منه. وتخطى ظروف الإعاقة بالتوكل على الله وتسليم الأمر له، والاجتهاد في الدراسة، والحصول على العمل المناسب الذي اعتمد عليه في حياته.
منصة أصحاب الهمم البحرينية
ولفت إلى أنه بدأ بحملة توعية بسيطة بهذا المرض، بين الطاقم الطبي والصحي الذين يراجعهم وتعرف عليهم، فأنشأ موقعًا إلكترونيًا يحمل اسم المرض، ووضع فيه معلومات مفصلة عن المرض وأعراضه وكيفية التعامل معه، وقام بطباعة عنوان الموقع على أقلام وتوزيعها لزيادة الوعي. وقال: بعدها بدأت التعرف على عالم ذوي الإعاقة في مملكة البحرين، والبحث عن أنشطتهم ومجتمعهم والخدمات التي تقدمها الدولة لذوي الإعاقة، حيث حصلت على معلومات كثيرة دفعتني للرغبة في مشاركتها مع المجتمع عموما، وذلك عن طريق فتح حساب على الإنستغرام باسم “أصحاب الهمم البحرينيين” (bahrain_hemam@)؛ لنشر أخبار ذوي الإعاقة وأنشطتهم.
الحياة مع الإعاقة
وعن ظروف الحياة مع الإعاقة، أكد أنها حياة صعبة وبحاجة إلى الصبر والمثابرة والإيمان بالله، وتحتاج إلى أجهزة وتجهيزات تسهل أو تساعد المعوق على التكيف مع الإعاقة، وتكون أسعارها في الغالب مرتفعة، ما يجعل الاندماج في المجتمع تحديا لصاحب الإعاقة، وأيضا عدم تهيئة الأماكن بوسائل الوصول للمباني والأماكن العامة مثل وضع المنحدرات للكراسي المتحركة أو خطوط الطريق للمكفوفين، يجعل الاستفادة من الخدمات أكثر صعوبة لذوي الإعاقة. وقال: في كل رحلتي مع الإعاقة، كانت أصعب اللحظات هي عدم مقدرتي على مشاركة أبنائي في الأنشطة الحركية.
وأضاف أن الإعاقة أثرت بشكل كبير عليه، حيث قل خروجه من المنزل والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية؛ بسبب صعوبة التنقل أو استخدام المرافق العامة المختلفة. واختتم حديثه بالقول إن المرض أخذ منه الحضور الاجتماعي والأنشطة الحركية، وأضاف له في المقابل الاهتمام بشؤون ذوي الإعاقة والتعرف على تجاربهم الملهمة والمشجعة، التي تدفعه للصبر والوصول لتحقيق الطموحات.