*جاوِرِ السعيدَ تَسعَد* 

0 8

سنابل الأمل/ خاص

بقلم: د. عثمان بن عبدالعزيز آل عثمان

جاورتُ أهلَ الخير، فأزهَرَ صدري، وأضاءَ بصري، وزارني الأُنس، ولم أذق طَعم السعادة إلّا في جِوارهم. وما أجمل أن نذكر هنا قول النبي ﷺ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ». فكما يكون الجار، تكون أنت ولو بعد حين.

كم من أرواحٍ أرهقها ثِقل الحياة، لا لذنبٍ ارتكبته، بل لأنها ابتُلِيَت بجوارٍ قاسٍ أو علاقة مُنهكة! وكم من قلوبٍ أزهرت، فقط لأنها جاورت قلوبًا عامرة بالإيمان، نقيّة في السريرة، سامية في التعامل!

في زمنٍ تداخلت فيه المفاهيم وتكاثرت فيه الضوضاء الاجتماعية، أصبحت المجاورة الطيبة أملًا، بل حاجةً ملحّة. فالجوار ليس اقترابًا في البنيان، بل اقترابٌ في الوجدان، ومجاورةٌ في مكارم الأخلاق، وصفاء القلوب.

جاوِرِ السعيدَ تَسعَد… ليست مجرد مقولة متداولة، بل خُلاصة حياة وتجربة وجدانية. فمن جاورَ السعداء طبعًا لا وضعًا، أشرقت أيامه، واستنار قلبه، وأزهرت روحه. الطيّبون لا يمنحونك المال، لكن يمنحونك الطمأنينة، والدفء، والإيمان بأن الخير لا يزال كثيرًا.

السعادةُ عدوى طيّبة، تنتقل دون إذن… فقط جاوِر أهلها، تُصِبك بركتها، وتُدهشك خِفّتها على الروح. فكن أنت أيضًا مصدرًا لهذه السعادة، بابتسامتك في وجوه جيرانك، وكونك سندًا لهم في الأزمات، وحفظك لحقوق الجوار كما أوصى النبي ﷺ: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».

تذكّر أن جار السوء قد يُظلمك بظلمه، وجار الخير يُشرق لك بنوره. فالعلاقات الطيبة تُصلح النفس كما تُصلح التربةُ الزهرَ. فاختر جيران قلبك كما تختار جيران دارك، واجعل لنفسك نصيبًا من جوار أصحاب الذوق الرفيع، والقول اللين، والموقف النبيل، واحفظ قلبك من كل علاقةٍ تسرق نورك، أو تُطفئ طاقتك، أو تجرّك إلى الأسوأ.

جاوِرِ السعيدَ تَسعَد، وجاور النقيَّ، تتطهّر، وجاور الرافعين، تعلو.

اللهم اجعلنا من جيران السعداء في الدنيا، ومن جيران أوليائك في جنات النعيم، واجعلنا ممن يُقال فيهم: “جاوروه… فإن في قُربه خيرًا لا يُحصى.”

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق