أصحاب الهمم في برلمان 2026

0 0

سنابل الأمل / متابعات

بقلم _ ولاء عزيز*

في السنوات الأخيرة، شهدت مصر تحولات بارزة في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، أو كما يُطلق عليهم “ذوو الهمم”؛ في محاولة لتصحيح إرث طويل من التهميش الاجتماعي، والسياسي.

وعلى الرغم من أن التوجه الرسمي نحو دعم هذه الفئة أصبح أكثر وضوحًا، إلا أن تساؤلات مُلِحَّة ما تزال تُطرح، وخصوصا في سياق الاستحقاقات الانتخابية القادمة لعام 2026: هل أصبح ذوو الهمم شركاء حقيقيين في الحياة السياسية؟ أم أن مشاركتهم ما تزال رمزية؟

 

للإجابة على هذا السؤال، لا بد من تحليل ثلاث زوايا رئيسة: التمثيل النيابي، والنسبة السكانية، والتسهيلات الإجرائية في التصويت.

 

أولًا: التمثيل النيابي… تمكين محدود وسط طموحات كبيرة

ينص الدستور المصري بوضوح، على “التزام الدولة بتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من ممارسة حقوقهم السياسية، بما في ذلك حقهم في التمثيل النيابي داخل المجالس المنتخبة”. وقد تجسَّد هذا الالتزام قانونيًا، من خلال تخصيص كوتا لفئة ذوي الهمم، ضمن القوائم المغلقة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

 

ولكن على الرغم من إيجابية هذا التوجه؛ فإن الواقع يكشف عن عدة إشكاليات:

 

• ضعف عدد النواب الممثلين لذوي الهمم، سواء في مجلس النواب، أو في مجلس الشيوخ.

• محدودية تأثيرهم التشريعي، والرقابي؛ نتيجة لعدم وجود كتلة نيابية وازنة يمكنها الدفع بأجندة تشريعية متخصصة لقضايا الإعاقة.

• غياب التأهيل الحزبي والسياسي الحقيقي، والذي يقود إلى المشاركة السياسية التنافسية.

 

ويبدو أن التركيز ينصبُّ – حتى الآن – على مجرد التمثيل الظاهري أكثر من الاستثمار في تمكين ذوي الهمم داخل بنية العمل النيابي نفسها، سواء من حيث إعداد كوادر سياسية من داخل الفئة، أو توفير البيئة التشريعية التي تسمح لهم بأداء دورهم على نحو فعَّال.

 

ثانيًا: النسبة السكانية… كتلة انتخابية مُهملة

وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يُقدَّر عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في مصر بنسبة تتراوح ما بين 10% إلى 11% من إجمالي السكان؛ أي ما يعادل أكثر من 10 ملايين مواطن، نصفهم تقريبًا في سن يتيح لهم ممارسة حق التصويت.

 

هذه النسبة تجعل من ذوي الهمم قوة انتخابية ضخمة، يمكن أن تؤثر في نتائج الانتخابات إذا تم تنظيم مشاركتها بشكلٍ فعَّال. ومع ذلك، ما يزال كثير من هؤلاء المواطنين غائبين عن المشهد الانتخابي، إما بسبب حواجز لوجستية تعيق وصولهم إلى مقار الاقتراع، أو بسبب نقص التوعية السياسية.

 

ويثير هذا الغياب أسئلة جوهرية: هل تم – فعليًا – إدماج ذوي الهمم في خطط الأحزاب السياسية؟! هل يُؤخذ صوتهم بعين الاعتبار في أثناء إعداد البرامج الانتخابية؟!

 

ثالثًا: بروتوكول التصويت… خطوة إلى الأمام أم ترتيب تجميلي؟

في تحرك يُعد الأول من نوعه على هذا المستوى من التنسيق، تم في عام 2024 توقيع بروتوكول ثلاثي بين الهيئة الوطنية للانتخابات، ووزارة التضامن الاجتماعي، والمجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة؛ بهدف دعم مشاركة ذوي الهمم في الاستحقاقات الانتخابية، وعلى رأسها انتخابات 2026.

 

وقد تضمّن البروتوكول مجموعة من الإجراءات التنفيذية:

 

• توفير مترجمي لغة الإشارة في عدد من اللجان الانتخابية الكبرى.

• تهيئة المداخل، والمخارج لتسهيل وصول مستخدمي الكراسي المتحركة.

• تدريب موظفي اللجان على كيفية التعامل مع الناخبين من ذوي الإعاقة السمعية، والبصرية، والحركية.

• إطلاق حملات توعية إعلامية تستهدف ذوي الهمم، وذويهم لتشجيعهم على المشاركة.

 

وعلى الرغم من أهمية هذه الخطوة، إلا أن تنفيذ البروتوكول على أرض الواقع سيظل هو المحك الحقيقي، حيث سيثبت تنفيذه بالفعل جدية الأجهزة المعنية في إعطاء هذه الفئة حقها الدستوري والقانوني.

 

كما أن نجاح هذه الخطوة يستلزم – أيضًا – إدماج منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال الإعاقة كشركاء فعليين في التخطيط، والتنفيذ، والتقييم.

 

خاتمة: بين الرمز والواقع… ماذا نريد من 2026؟

 

إذا أردنا أن تكون انتخابات 2026 علامة فارقة في مسار التمكين السياسي لذوي الهمم؛ فيجب أن يتجاوز دورهم حدود المشاركة الرمزية، أو الحضور المحدود. التمكين لا يعني فقط توفير سلالم مائلة أو مترجمي لغة إشارة؛ بل يعني:

• وجود أحزاب تستوعب مطالبهم وتدربهم سياسيًا.

• وجود مرشحين قادرين على تمثيلهم بصدق داخل قبة البرلمان.

• دعم تشريعات تضمن حقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والصحية، والتعليمية.

• وأخيرًا، بناء بيئة انتخابية تحتضن الجميع على قدم المساواة.

 

ذوو الهمم ليسوا أقلية؛ بل هم مواطنون كاملون، وشركاء حقيقيون في بناء مستقبل الوطن… متى أُتيح لهم ذلك.

 

*مبتدأ

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق