مرتاح البال

0 1

سنابل الأمل/خاص

بقلم: د. عثمان بن عبدالعزيز آل عثمان

 

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾ [محمد: 2]. هذه الآية الكريمة تكشف سرًّا من أسرار السعادة الإنسانية، وهو إصلاح البال؛ ذلك الإصلاح الذي يشمل شأن العبد في دينه ودنياه، فيقوّم فكره، ويهذّب قلبه، ويصفّي نفسه من شوائب القلق والاضطراب. فالـ”بال” في لغة العرب هو ما يشغل فكر الإنسان وقلبه، وإصلاحه يعني استقامة أحواله واطمئنان نفسه.

 

راحة البال مطلب فطري تسعى إليه النفوس، وهي ليست سلعة تُشترى ولا منصبًا يُنال، بل هي حالة قلبية وروحية تُهدى من الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين. ولهذا جاء وعده جل وعلا لعباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأن يبدلهم من الخوف أمنًا، ومن القلق سكينة، ومن الحيرة يقينًا. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل: 97]، والحياة الطيبة هنا هي سلامة الصدر، وطمأنينة القلب، وثبات اليقين، وهي جوهر راحة البال. ويقول الحق جل وعلا: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]، فالذكر حياة الأرواح، ودواء القلوب، ومفتاح الطمأنينة الذي يطرد القلق والخوف، ويملأ النفس أمانًا وثقة برحمة الله رب العالمين.

 

وجاء في الحديث الشريف: «من أصبح آمنًا في سِربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا» [رواه الترمذي]. فهذه الثلاث — الأمن، والصحة، والكفاية — هي ركائز راحة البال، ومتى اجتمعت للإنسان شعر بالرضا وانشرح صدره. وقال الشاعر:

 

إذا ما كساك الله ثوبَ قناعةٍ

فأنت ومالكُ الدنيا سواءُ

 

وقال العرب: “من رضي بقسمه طاب عيشه”. فالقناعة ليست ضعفًا، بل وعيٌ عميق بأن الرزق مقسوم، وأن السعادة تُقاس براحة القلب لا بكثرة الممتلكات. وتشير الدراسات النفسية الحديثة إلى أن الأشخاص الأكثر رضا عن حياتهم وأقدارهم يتمتعون بمستويات أقل من التوتر، وأن راحة البال ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالممارسات الإيمانية، مثل الصلاة، والتأمل، وشكر النعم، لما لها من أثر في تهدئة الأعصاب، وخفض معدلات القلق، وتعزيز هرمونات السعادة.

 

راحة البال ليست حلمًا بعيد المنال، بل هي وعد رباني لمن أخلص قلبه، وأحسن عمله، وثق بوعد الله سبحانه وتعالى في السراء والضراء. فلنسعَ أن نكون من الذين قال فيهم الحق جل وعلا: ﴿وأصلح بالهم﴾، فنعيش سعداء، ونرحل مطمئنين، تاركين أثرًا طيبًا وذكرًا جميلًا.

 

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق