“نحن الاحتواء” مؤتمر يستهدف إزالة الحواجز الثقافية لبناء مجتمع أكثر ومساواة

0 9

سنابل الأمل / متابعات

الإعاقة لها وجه آخر يعكس قوة الإنسان وقدرته على مواجهة التحديات، فهى لا تحد من طاقاته، بل تكشف عن مسئولية المجتمع فى إزالة الحواجز أمامه؛ إذ يرتبط المفهوم الدقيق للكلمة بالعوائق التى قد تكون بيئية أو ذهنية أو اجتماعية، لا بالشخص ذاته، ومن هنا جاء توصيف منظمة الصحة العالمية فى “التصنيف الدولى لتأدية الوظائف والإعاقة والصحة”، الذى يعتبر أن الإعاقة تنشأ من التفاعل بين الفرد وبيئته، وليس من حالته الجسدية بحد ذاتها.

ويؤكد الخبراء أن إعادة تعريف الإعاقة تنطلق من تسليط الضوء على هذه الحواجز وكيفية تجاوزها، ويشكل هذا التوجه إحدى الرسائل الجوهرية التى يحملها المؤتمر العالمى 2025 “نحن الاحتواء”، الذى تستضيفه الشارقة من 15 حتى 17 سبتمبر 2025 فى مركز إكسبو بالشارقة، لتحويل المفهوم التقليدى إلى رؤية قائمة على إزالة العوائق وتمكين الجميع.

اللغة تدعم الدمج الاجتماعى

وتتدخل اللغة، سواء كانت عربية أو أجنبية، لتدعم مساعى الدمج الاجتماعى، إذ يشدّد علماء اللغة والإرشاد التربوى على دور اللغة فى تشكيل الصور النمطية، فقد وجدت دراسات أن استخدام “لغة تحترم الأشخاص أولًا” يدعم الدمج الاجتماعى، ويعزز الاعتراف بإنسانية الفرد.

وفى هذا السياق، تؤكد منى عبد الكريم اليافعى، مدير عام مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، أن هذا التوجه انعكس فى الشارقة على مستوى جميع المبادرات الثقافية والتعليمية، إذ اعتمدت المؤسسات الحكومية والهيئات الثقافية والمراكز الإعلامية لغة تصف الأشخاص ذوى الإعاقة بطريقة تمكينية، كما أدرجت هذه اللغة فى المناهج المدرسية، والبرامج التدريبية للإعلاميين، وأدلة المصطلحات الصادرة عن الجهات المعنية، بما يضمن اتساق الرسالة عبر مختلف القنوات والأنشطة.

وانطلاقًا من وعيها العميق بدور اللغة في تكريس الصور النمطية أو تصحيحها، عملت الشارقة من خلال مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية على توثيق دليل مرجعي بعنوان “قل ولا تقل”، يهدف إلى ترسيخ لغة حقوقية تحترم الأشخاص ذوي الإعاقة وتصف الحواجز لا الأفراد.

وتؤكد الوثيقة التى تم إعدادها من قبل الدكتور مهند العزة، وهو باحث متخصص في الشئون القانونية وحقوق الأشخاص ذوى الإعاقة، وأحد المشاركين فى صياغة نص الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ضرورة استخدام عبارة “شخص ذو إعاقة” بما يتوافق مع التسمية الدولية من منظور حقوقي لمنحهم كامل حقوقهم في مجتمعاتهم.

كما أوصت باستخدام مصطلحات بديلة مثل: “شخص ذو إعاقة سمعية” بدلاً من “أطرش أو أبكم”، و”شخص ذو إعاقة بصرية” بدلاً من “أعمى أو ضرير”، و”شخص ذو إعاقة حركية” بدلاً من “مشلول أو مقعد”.

وتوضح الوثيقة أن اللغة التي تحترم الأشخاص ترسّخ ثقافة التنوع والاختلاف البشري بوصفها طبيعية، بعيداً عن الوصاية أو الشفقة، بما يجعل الإعلام والتعليم والسياسات أكثر انسجاماً مع مبادئ المساواة وحقوق الإنسان.

الدمج عبر إزالة الحواجز

ولتحقيق إعادة تصويب شاملة للمفاهيم السلبية المرتبطة بالدمج الاجتماعي، يتطلب الأمر أدوات عملية واضحة تشمل إزالة الحواجز التشريعية والمادية والتربوية، وبناء شراكات واسعة بين المؤسسات، فعلى الصعيد التشريعي، يناقش المؤتمر العالمي 2025 “نحن الاحتواء” الأطر القانونية الدولية مثل اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والقانون الاتحادي رقم 29 لسنة 2006 في دولة الإمارات العربية المتحدة، بالتماشي مع مبادئ التنمية المستدامة والتنوع الثقافي والاجتماعي.

الصعيد الثقافي والمجتمعي

أما على الصعيد الثقافي والمجتمعي، فتتطلب الجهود تضافر المؤسسات المعنية باللغة والثقافة، من دور نشر ومكتبات ووسائل إعلام وكتّاب وفعاليات، لتبني خطاب يحترم الأشخاص ويصف الحواجز لا الأفراد. ويعزّز التعليم مع التوعية هذا المسار من خلال ورش العمل والجلسات التفاعلية، وخاصة تلك التي يقدمها “المناصرون الذاتيون” حيث يطرح الأشخاص ذوو الإعاقة الذهنية رؤيتهم لحقوقهم وخبراتهم في مواجهة التحديات.

تجربة الشارقة والنتائج المستدامة

وتكشف تجربة الشارقة أن الاستثمار في الدمج هو خيار استراتيجي يعيد صياغة منظومة المجتمع على أسس العدالة والمساواة؛ فتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة يفتح أبوابًا جديدة للنمو الاقتصادي عبر دمج طاقات إنتاجية وخبرات كانت على هامش الدورة التنموية، ويثري رأس المال البشري للمجتمع بكفاءات متنوعة.

أما على الصعيد الاجتماعي، فيرسخ الدمج ثقافة التضامن والتكافل، ويعزز الثقة المتبادلة بين الأفراد والمؤسسات. كما يعكس التزام الإمارة العميق بمبادئ الكرامة الإنسانية وحق الجميع في المشاركة الكاملة دون تمييز. ومن هنا، يأتي المؤتمر العالمي 2025 “نحن الاحتواء” منصة لنقل هذا النموذج إلى العالم، وتحويله إلى سياسات عملية وممارسات مؤسسية قابلة للاستمرار، بحيث يصبح الدمج عنصراً بنيويًا في أي مشروع تنموي مستدام.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق