من الرعاية إلى الشراكة.. عشر سنوات غيّرت وجه حياة ذوي الإعاقة في مصر

0 26

سنابل الأمل / متابعات

قبل عشر سنوات، كان حضور الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع محصورا في ملفات الرعاية الاجتماعية، وسط خطاب يركز على الشفقة والمساعدات الفردية.

 

لكن العقد الأخير قلب المعادلة تماما، حيث انتقل التعامل مع هذا الملف من منطق “المساعدة” إلى منطق “الحقوق والتمكين”، مدفوعا بسياسات ومؤسسات وبرامج غيرت حياة ملايين المصريين على أرض الواقع.

 

اليوم، يعيش ملايين ذوي الإعاقة قصصا تمزج بين التحدي والأمل. فبعد عقود من التهميش، جاء عقد (2014–2024) ليشهد تحولا جذريا في الرؤية والسياسات، كما توضح دراستان تحليليتان لكل من الدكتورة هويدا رومان، أستاذة العلوم السياسية، والدكتور وليد زكي، أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.

 

منظور متكامل

توضح د. هويدا أن مفهوم الإعاقة لم يعد يُختزل في البعد الطبي، بل أصبح مفهوما متعدد الأبعاد يتقاطع مع البيئة، والمجتمع، والاقتصاد. فالأطفال المصابون بـ متلازمة داون، مثلا، يواجهون مشكلات صحية مزمنة كضعف المناعة والسمنة، بينما يعاني مرضى الفصام واضطرابات الصحة النفسية من ضعف برامج التأهيل وندرة الخدمات المتخصصة، هذا التنوع في الاحتياجات يستدعي تطوير القطاع الصحي ليغطي خدمات العلاج، وإعادة التأهيل، والدمج المجتمعي.

 

حقوق مغيبة

رغم التقدم التشريعي، تؤكد د. هويدا أن أشكال التمييز ما زالت قائمة، سواء في ضعف التمثيل أو سوء المعاملة أو نقص الحماية القانونية والاجتماعية. كما أن الفقر و الإعاقة يتبادلان التأثير: الفقر يزيد من احتمالات الإعاقة بسبب ضعف الرعاية الصحية، و الإعاقة بدورها تضعف الوضع الاقتصادي للأسر.

 

أرقام ودلالات

اعتمدت الدراسة على بيانات تعداد 2017، التي أظهرت أن 10.67% من المصريين فوق سن الخامسة لديهم إعاقة، مقارنة بـ 0.48% فقط في 1996، وهو ارتفاع يعكس تحسن أدوات القياس وزيادة الوعي بالإحصاء.

وتكشف الأرقام أيضا فجوات واضحة:

 

18% من أفقر 20% من المصريين يعانون من إعاقة.

 

22.9% من ذوي الإعاقة غير آمنين غذائيا، مقابل 13.8% لغير المعاقين.

 

الأمية بين الأولاد ذوي الإعاقة تصل إلى 61%، وترتفع إلى 70% بين البنات.

 

وهي نسب تكشف عن علاقة وثيقة بين الإعاقة والفقر وغياب فرص التعليم.

 

خطوات فارقة

عام 2018 كان علامة فارقة، حيث أعلنت الحكومة “عام الأشخاص ذوي الإعاقة”، وأدرجت حقوقهم في رؤية مصر 2030. تبع ذلك تأسيس المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة (2019) وصندوق دعم الأشخاص ذوي الإعاقة (2020)، إلى جانب برامج للكشف المبكر، ودمج الطلاب في المدارس، وتطوير وسائل النقل، وتعديل كود البناء ليصبح أكثر شمولية.

 

إطار قانوني قوي

جاء دستور 2014 ليضع مادة واضحة (81) تُلزم الدولة بكفالة الحقوق الصحية والتعليمية والاجتماعية والثقافية والسياسية للأشخاص ذوي الإعاقة. كما نصت مواد أخرى على الحماية من التمييز (53)، و الرعاية الاجتماعية (17)، وحقوق الطفل (80). وفي 2018، صدر القانون رقم 10، أول تشريع شامل للدمج والوصولية، متسقا مع اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

 

بنية مؤسسية

شهدت السنوات الأخيرة إنشاء المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة (2019) كمظلة تنسيقية تتابع السياسات وتتلقى الشكاوى. كما أُسس صندوق دعم الأشخاص ذوي الإعاقة (2020) بموجب القانون رقم 200، لتوفير تمويل مستدام للخدمات والأجهزة التعويضية وتحسين الوصولية.

 

سياسات متعددة القطاعات

رصدت الدراسة جهودا حكومية متكاملة، أبرزها:

 

-الصحة: برامج للكشف المبكر، والعلاج، والتأهيل المتخصص.

 

-التعليم: جهود لدمج الطلاب ذوي الإعاقة في المدارس العامة، رغم ضعف الكوادر والتجهيزات.

 

-التعليم العالي: إدخال قضايا الإعاقة ضمن المناهج، وإنشاء تخصصات ذات صلة.

 

-التضامن الاجتماعي: إصدار بطاقة الخدمات المتكاملة، كمفتاح للحصول على الدعم والرعاية.

 

-كما شهد قطاع النقل والمواصلات تحسينات تتعلق بتخفيض أسعار التذاكر، وتطوير كود البناء ليتوافق مع احتياجات ذوي الإعاقة، من حيث المنحدرات، والمصاعد، والإشارات الصوتية والمرئية.

 

الخدمات والتأهيل

أبرزت الدراسة إشراف الدولة على أكثر من 770 جهة تأهيلية، تشمل مراكز علاج طبيعي، ومكاتب تأهيل مهني، ومؤسسات رعاية داخلية وخارجية، وقد استفاد من هذه الخدمات ما يزيد عن 113 ألف شخص. ورغم هذا التوسع العددي، تظل هناك تحديات قائمة:

-تفاوت توزيع الخدمات جغرافيا، خاصة في الريف والمناطق النائية.

-تعاني الأسر من إجراءات معقدة للحصول على بطاقة الخدمات المتكاملة

-استمرار الوصمة الاجتماعية، ما يدفع بعض الأسر لعدم تسجيل أبنائها من ذوي الإعاقة.

 

وتوضح دكتورة هويدا أن استمرار الوصمة الاجتماعية تدفع بعض الأسر لإخفاء أطفالهم ذوي الإعاقة، خوفا من تأثير ذلك على فرص زواج أشقائهم أو بسبب تكاليف الرعاية وهذا يحرم الأطفال ذوي الإعاقة من الذهاب إلى المدرسة والاندماج في المجتمع، وبالتالي فإن التوعية الاجتماعية أمر في غاية الأهمية في هذا السياق، كما أنه لدى الأسر ذات الدخل المنخفض سبب آخر لإخفاء أطفالهم ذوي الإعاقة، يرغبون في تجنب تكاليف الرعاية الطويلة، والتأهيل، والنقل من وإلى المدارس. في هذا السياق، يفضلون توفير المال لإخوانهم وأخواتهم الأصحاء، الذين يُنظر إليهم عادة على أنهم أكثر جدارة ويمكن أن يكونوا أكثر فائدة للعائلة

 

وتوضح دكتورة هويدا أنه رغم أن القانون يُلزم المؤسسات بتوظيف نسبة 5% من ذوي الإعاقة، إلا أن الدراسة توضح أن التطبيق لا يزال ضعيفًا بسبب استمرار الصور النمطية، وغياب المتابعة الرقابية الجادة؛ فأصحاب العمل أحيانا ينظرون إلى ذوي الإعاقة على أنهم غير قادرين على الإنتاج بكفاءة، ما يحد من فرص توظيفهم، وهو ما يستدعي إعادة النظر في سياسات التشغيل، وتوفير دعم حقيقي للدمج المهني، وضمان بيئة عمل مهيأة.

 

توصيات عملية

وتختتم د. هويدا حديثها بعدد من التوصيات وهى:

-تحسين البيانات: تطوير قواعد البيانات حول الإعاقة لتكون دقيقة وشاملة.

-تغيير الصور النمطية: تنظيم حملات إعلامية ومجتمعية تستهدف تغيير المواقف السلبية.

-مواجهة الفقر: التعاون بين الدولة والمجتمع المدني للحد من الفقر المرتبط بالإعاقة.

-تبسيط الإجراءات: تيسير الحصول على بطاقة الخدمات المتكاملة وتطوير آليات الدعم.

-تعزيز التوظيف: تنفيذ القوانين القائمة ومراقبة التزام أصحاب الأعمال بها.

-شراكات دولية: الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في الدمج والتكنولوجيا المساعدة.

 

وتؤكد دكتورة هويدا أن دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في مصر لن يتحقق بالنصوص القانونية وحدها، بل يتطلب تغييرا شاملا في السياسات، الثقافة، والبنية التحتية، لضمان عدالة اجتماعية وفرص متكافئة واحترام كامل لكرامة الإنسان. وتعتبر أن هذا الدمج يجب أن يظل أولوية دائمة لصانع القرار المصري.

 

السياحة الدامجة

يشير د. وليد إلى أن جعل السياحة متاحة للأطفال ذوي الإعاقة يبدأ من نشر ثقافة التعامل الإيجابي معهم في المواقع السياحية، وتدريب الموظفين على تقديم الدعم بطريقة محترفة. كما يشمل الأمر توفير أدوات مساندة كالكراسي المتحركة والممرات المهيأة، وتجهيز المزارات بعروض خاصة للمكفوفين وضعاف السمع، مع لوحات إرشادية واضحة ودورات مياه مناسبة.

 

وفي الحدائق والفنادق ووسائل النقل والمطارات، يوصي بضرورة الالتزام بكود الإتاحة الهندسي وتوفير تجهيزات تسهل الحركة والصعود والنزول، مع تخصيص غرف ومقاعد وخدمات تناسب هذه الفئة.

 

فرصة ذهبية

ويضيف دكتور وليد ، أنه يمكن للتكنولوجيا أن توسع نطاق المشاركة السياحية، سواء عبر تجهيز المواقع بشاشات ذكية وخدمات تفاعلية تناسب مختلف أنواع الإعاقة، أو عبر السياحة الافتراضية باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي والتطبيقات التفاعلية، التي تتيح للأطفال ذوي الإعاقة استكشاف المعالم عن بعد بطريقة ممتعة وآمنة.

 

 

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق