علماء يعيدون التفكير: هل التوحد «طيف» واحد؟

0 3

سنابل الأمل / متابعات

أصبحت عبارات مثل «طيف التوحد»، أو «ضمن الطيف»، جزءاً من اللغة اليومية. وغالباً ما تُستخدم كطرق مختلفة للإشارة إلى شخص «متباين عصبياً». ولكن، قد تكون فكرة طيف واحد للتوحد، يمتد من خفيف إلى شديد، مضلّلة.

 

صاغت هذا المصطلح «الطيف»، في ثمانينيات القرن الماضي، الطبيبة النفسية الدكتورة لورنا وينغ، التي غيّرت أعمالها مفهوم التوحد في المملكة المتحدة. في ذلك الوقت، كان مفهومها «طيف التوحد» رائداً. فبدلاً من اعتبار التوحد حالة نادرة وضيّقة التعريف، أدركت أن هناك مجموعة واسعة من السمات والتجارب.

 

لكن فكرة طيف واحد، يمتد من «خفيف» إلى «شديد»، قد تكون مضلّلة. ويجادل بعض خبراء التوحد بأن هذا المصطلح قد تجاوز فائدته.

 

 

ما معنى «طيف التوحد»؟

عندما يسمع معظم الناس كلمة «طيف»، قد يتخيلون خطاً مستقيماً، كألوان مرتبة من الأحمر إلى البنفسجي. وعند تطبيقها على التوحد، يُشير هذا إلى إمكانية تصنيف المصابين بالتوحد من «أكثر توحداً»، إلى «أقلّ توحداً»، لكن هذه ليست الطريقة التي يعمل بها التوحد.

 

يتألف التوحد من سِمات واحتياجات مختلفة، تظهر في تركيبات فريدة. ويعتمد بعض المصابين بالتوحد بشكل كبير على الروتين، بينما يجد آخرون الراحة في الحركات المتكررة المعروفة باسم «التحفيز». ويركز بعضهم، بشدة، على مواضيع محددة، وهو مفهوم يُطلق عليه الباحثون «التوجه الأحادي».

 

وهناك أيضاً روابط معروفة مع حالات جسدية مثل فرط الحركة. ولأن التوحد يتكون من كل هذه العناصر المختلفة، فلا يمكن وضع خط واحد يُوضع عليه كل شخص مصاب بالتوحد.

 

ومع ذلك، لا تزال محاولات وضع الحدود قائمة. يُقسم الدليل التشخيصي للجمعية الأمريكية للطب النفسي التوحد إلى ثلاثة «مستويات»، بناء على مقدار الدعم الذي يُقدر أن الشخص يحتاج إليه. وتتراوح هذه المستويات بين:

 

المستوى الأول «يحتاج إلى دعم»

 

المستوى الثاني «يحتاج إلى دعم كبير»

 

المستوى الثالث «يحتاج إلى دعم كبير جداً»

 

ولكن هناك أبحاث تُشير إلى أن هذه المستويات غامضة وغير مُطبّقة بشكل مُتسق. فهي لا تعكس دائماً تجارب الشخص الواقعية.

 

كما يُمكن لظروف الحياة أن تُغيّر احتياجات الشخص. فالشخص المُصاب بالتوحد، والذي عادة ما يجيد التأقلم، قد يُعاني «الإرهاق»، وتصاحبه زيادة في احتياجات الدعم، إذا لم تُلبَّ احتياجاته لفترة طويلة.

 

وفي مقال بحثي حديث، أوضح أحد الباحثين أن مراحل الحياة، مثل انقطاع الطمث، يُمكن أن تزيد من احتياجات الدعم. ولا يُمكن لـ«المستوى» الثابت أن يجسد هذه الطبيعة المتطورة.

 

وأخيراً، اقترحت لجنة لانسيت – وهي مجموعة دولية من الخبراء – مُصطلح «التوحد العميق» للأشخاص المصابين بالتوحد ذوي صعوبات التعلم، أو ذوي احتياجات الدعم العالية. لكن خبراء آخرين يقولون إن هذه العبارة غير مفيدة، لأنها لا تخبرنا شيئاً عن التحديات الخاصة التي يواجهها الشخص، أو نوع الدعم الذي يحتاج إليه.

 

إرث «متلازمة أسبرجر»

أدخلت الدكتورة لورنا وينج مصطلح «متلازمة أسبرجر» إلى المملكة المتحدة. وكما هو الحال مع مفهوم «التوحد العميق»، فإن استخدام هذا المصطلح يُقسّم المصابين بالتوحد إلى فئة ذوي احتياجات دعم أعلى، وفئة ذوي متلازمة أسبرجر (ذوي احتياجات دعم أقل).

 

ومع ذلك، استُوحي هذا المصطلح من اسم الطبيب النمساوي هانز أسبرجر، الذي حدّد، في أربعينيات القرن الماضي، مجموعة فرعية من الأطفال أطلق عليها اسم «المختلين عقلياً التوحديّين». وخلال الحقبة النازية، ارتبطت متلازمة أسبرجر بالإبادة الجماعية للأشخاص المصابين بالتوحد ذوي احتياجات الدعم الأعلى. لهذا السبب، لا يستخدم العديد من المصابين بالتوحد هذا المصطلح بعد الآن، حتى لو كان هذا هو تشخيصهم الأصلي.

 

وتكمن وراء كل هذه النقاشات مخاوف أعمق من أن تقسيم المصابين بالتوحد إلى فئات، أو ترتيبهم على طيف، قد يؤدي إلى أحكام حول قيمتهم في المجتمع. وفي أقصى أشكاله، تمثل هذه التسلسلات الهرمية خطورة نزع الصفة الإنسانية عن أولئك الذين يحتاجون إلى دعم أعلى. ويُحذّر بعض نشطاء التوحد من أنه قد يُؤجج أجندات ضارة.

 

وفي أسوأ الأحوال، يصبح هناك من ينظر إليهم على أنهم أقل فائدة للمجتمع، وبالتالي عرضة لمضايقات في المستقبل. قد يبدو هذا مستبعداً، لكن التوجه السياسي في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يثير قلقاً بالغاً لدى العديد من المصابين بالتوحد.

 

وأخيراً، صرّح وزير الصحة الأمريكي، روبرت إف. كينيدي جونيور، بأنه سيواجه وباء التوحد في البلاد. وحتى الآن، تضمّن هذا ادعاءات مُفنّدة بشدة تفيد بأن استخدام الباراسيتامول أثناء الحمل مرتبط بإصابة الأطفال بالتوحد، وحثّ النساء الحوامل على تجنّب مُسكّن الألم.

 

وكثيراً ما يستخدم الناس مصطلح «طيف التوحد»، أو «على الطيف»، كوسيلة لتجنب وصف شخصٍ ما بأنه مصاب بالتوحد. ورغم أن هذا غالباً ما يكون حسن النية، إلا أنه مُتجذّر في فكرة أن التوحد أمر سلبي. ويفضل العديد من البالغين المصابين بالتوحد استخدام كلمتي «التوحد»، و«التوحدي»، مباشرة. فالتوحد ليس مقياساً للشدة، بل هو أسلوب حياة. إنه فرق وليس عيباً.

 

لن تعبّر اللغة عن كل الفروق الدقيقة، لكن الكلمات تشكّل طريقة تعامل المجتمع مع المصابين بالتوحد. وقد يكون التخلي عن فكرة الطيف الواحد خطوة نحو الاعتراف بالتوحد بكل تنوّعه، وتقدير المصابين به كما هم.

 

كل الاسرة

 

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق