بين السعادة والإعاقة .. وجهة نظر: هل تتحقق السعادة للمعاقين؟

سنابل الأمل/ متابعات

تظهر الدراسات أن الأشخاص من ذوي الإعاقة يعدون أنفسهم من بين من يتمتعون بمستوى جيد من الحياة، وذلك وفقا لما يقوله الباحث المتخصص في علم الاجتماع توم شكسبير.

فلماذا إذن نفترض في الغالب أنهم غير سعداء؟

من الشائع أن تقترن الإعاقة بالفشل والاعتماد على الآخرين والعجز.

ونشعر عادة بالأسى إزاء الأشخاص المعاقين، لأننا نتخيل أنهم بالقطع بؤساء بسبب إعاقتهم.

ولكن بعد فترة من الزمن يتكيف الأشخاص مع وضعهم الجديد، ويعيدون تقييم اتجاههم إزاء الإعاقة ويبدأون في محاولة الوصول لأفضل وضع ممكن.

وأحيانا يحققون إنجازات أكثر من ذي قبل. مثل ما فعل اللاعبون الرياضيون في دورة الألعاب الأولمبية للمعاقين.

ربما تكون متشككا إزاء الطبيعة غير الموضوعية لبيانات جودة الحياة.

ويصف علم الأخلاقيات البيولوجية أحيانا هذا التقييم الذاتي بمفهوم “العبد السعيد”، أو بعبارة أخرى أن هؤلاء الأشخاص يشعرون بأنهم سعداء لأنهم لم يجربوا حالة أفضل.

ربما يخدع الأشخاص المعاقون المبتهجون أنفسهم. أو ربما يخدعون الآخرين. وربما يعترفون أمام أنفسهم بالبؤس، ويتظاهرون بعكس ذلك أمام الناس، وفي كلتا الحالتين يمكن القول إن هؤلاء الأشخاص يعيشون حالة من الإنكار.

السعادة عبر التكيف

لكن هذه التفسيرات متعالية، كي لا نقول إنها استخفافية. والأهم من ذلك أنها خاطئة. وأيد بحث ميداني يسمى “سيكولوجية المتعة” تقييم المعاقين لأنفسهم بأنهم يعيشون مستوى جيدا من جودة الحياة.

وأجرى علماء مثل دانييل غلبرت اختبارات شاملة للغاية لما يقوله الناس وكيف يفكرون.

وخلصوا إلى مفهوم “السعادة عبر التكيف”، والذي يشير إلى أنه بعد حدوث صدمة نفسية فإن جودة الحياة تعود في النهاية إلى ما كانت عليه قبل حدوث تلك الصدمة تقريبا.

أمر مدهش؟ لكن لسوء الحظ فإن ذلك يحدث في الحالة العكسية أيضا.فإذا كنت سعيد الحظ وربحت في مسابقة “اليانصيب” 10 ملايين جنيه استرليني ستكون سعيدا لمدة عام أو اثنين، لكنك ستعود بعد ذلك إلى نفس درجة السعادة أو البؤس التي كنت عليها قبل أن يطرق الحظ بابك.

ولذلك، فإذا كانت التقارير الذاتية حول جودة الحياة صحيحة، سنكون بحاجة إلى إيجاد طرق أفضل لفهم مفارقة الإعاقة.

ولنبدأ بمناقشة العملية النفسية التي تحدث في عقل المعاق. ولدينا على سبيل المثال ثلاثة أساليب نفسية يمكن للمعاق اتباع أي واحدة منها لتحقيق السعادة.

يتضمن الأسلوب الأول، وهو التكيف، إيجاد طريقة لممارسة نشاط لا يستطيع المعاق ممارسته كالشخص الطبيعي كاستبدال القدرة على المشي بقدرة أخرى كدفع الكرسي المتحرك.

وهناك أيضًا التجاوز وهو ممارسة نفسية يلجأ إليها المعاق إلى التقليل من التوقعات الخاصة بما يستطيع أن يفعله كأن يستبدل التسكع في الشوارع لعشرة أميال بالتجول بكرسي متحرك لنصف ميل فقط.

أما العملية النفسية الثالثة فهي الملائمة والتي تتضمن كيفية تقييم المعاق لأشياء أخرى بخلاف ما اعتاد عليه كأن يستبدل الذهاب في رحلة إلى الريف مع الأًصدقاء بالجلوس مع أصدقائه في المطاعم الفاخرة.

ولكن تقييمنا للحياة مع الإعاقة غالبًا ما يفتقر إلى الاعتماد على الواقع ويغلب عليه الاعتماد على بعض الخلفيات الشائعة عن المعاقين ومعاناتهم من الخوف والتجاهل وتعمد الإضرار بتلك الفئة من الناس.

وكثيرا ما نخطيء في ذلك التقييم لنتوصل إلى نتيجة غير دقيقة عندما نفترض أن النتيجة الحتمية لمواجهة الصعوبات هي التعاسة.

فحتى مع ما يمكن أن يواجه المعاق من معاناة وعجز، هناك أشياء كثيرة يمكنها تعويض المعاق عما يعانيه.

فلدينا مثلًا بطل الفيلم الفرنسي الشهير الذي حقق إيرادات هائلة، “ليه إنتاتشبليه” أو المنبوذون، الذي يعيش فيه البطل الذي يعاني من شلل رباعي حياة رغدة وسعيدة لأن لديه أموالًا طائلة بينما يعيش غيره من الأصحاء في تعاسة رغم سلامة أجسادهم.

يؤكد ذلك على أن البيئة المحيطة بالمعاق هي المحدد الرئيس لسعادته أو تعاسته. وهنا تبرز أهمية المشاركة في المجتمع وإلى أي مدى يمكن للمعاق المشاركة في الأنشطة التي يمارسها المحيطون به.

هل لديه وظيفة؟ هل تمنعه الإعاقة من الذهاب إلى المدرسة مع أقرانه؟ وغير ذلك من الأسئلة التي تحدد مدى ارتياحه وسعادته.

الإعاقة ليست دراما

وهنا تظهر أهمية مدى ما يتكبده المجتمع من نفقات إضافية لازمة لرفاهية المعاقين وتوفير حياة كريمة لهم، وهو الأمر الذي يقرر الواقع أنه غير مطبق، إذ أن الاتجاه الحالي نحو خفض الإنفاق الحكومي في أغلب دول العالم أثر سلبًا على حياة المعاقين وفقًأ لمركز ويلفير ريفورمولكن لا يمكن مع ما سبق أن ننفي وجود معاناة وآلام ناتجة عن الإعاقة أو أن نقول بأن سعادة أو تعاسة المعاق تقتصر على أسباب ذات صلة بالبيئة والمجتمع لأن هناك بالفعل إعاقات وأمراض تضع من يُصاب بها في معاناة حقيقية.

ومهما توافرت لدى المعاق أشياء من شأنها تعويضه عما ينقصه، فسوف يشعر في تلك الحالات بالتعاسة وفقًا لعالم الأحياء لويس وولبرت الذي أطلق على هذا النوع من الإعاقات والأمراض “الحزن الضار”.

بصفة عامة، هناك محدودية في الخيارات المتاحة أمام الشخص المعاق مقارنة بالخيارات الكثيرة التي تتوافر للأصحاء. وحتى في المجتمعات التي تخلو من المعوقات، هناك بعض الأمور التي يصعب التغلب عليها بالنسبة للمعاق، خاصة الذي يعتمد على أداة تساعده على الحركة مثل الكرسي المتحرك.

فعلى سبيل المثال، من الممكن أن يتسبب عطل في أحد أجزاء الكرسي المتحرك، كأن تتضرر إحدى العجلات أو أن ينكسر أحد أذرع الكرسي، في تحويل المعاق إلى شخص معزول أو اتكالي كليةً.

ومع أن الإعاقة ليست من الفروق البسيطة بين الأشخاص مثل لون البشرة، أرى أنها ليست دراما حزينة يعيشها المعاق. فالأمر أبسط من ذلك بكثير.

تذكر دائمًا أن مجرد الوجود في الحياة يستلزم مواجهة المشكلات. وقد لخص هاملت، في رائعة شكسبير، الأسباب التي تجعل الموت أفضل من الحياة عندما قال إن “مجرد الميلاد يجعل الإنسان عرضة لأن يقع فريسة للمرض، والمعاناة، وفي النهاية الموت”.

وأخيرًا، ينبغي الإشارة إلى أن هناك ضرورة لأن نتقبل الإعاقة كأشخاص معاقين وأن نكون أقل إجحافًا بحقوق الأشخاص المعاقين إذا كنا أصحاء.

Bbc

 

إعاقةالسعادة والإعاقة
Comments (0)
Add Comment