الأوائل المستبعدون.. المكفوفون وانتزاع الابتسامة

سنابل الأمل/ كتب ..إبراهيم محمد المنيفي

 

أعلنت وزارة التربية والتعليم بصنعاء امس السبت نتائج الثانوية العامة.. هكذا كتبت كل المواقع ولم يقل أحد أن وزارة التربية والتعليم أعلنت رسمياً استبعادها للطلاب المكفوفين وعدم الاعتراف بهم، إلا أن هذا ما حصل وإليكم جريمة التمييز على أساس الإعاقة بالتفصيل:

وصفتها بالجريمة لأن الاتفاقية الدولية لذوي الإعاقة التي صادقت عليها اليمن تعتبرها جريمة تمييز بالفعل.

لقد أعلنت وزارة التربية والتعليم أن الحائز على المركز الأول للقسم الأدبي هو الطالب: أحمد محمد عبد الله سليماني بمعدل 96.5%، بينما الطالب الكفيف من ذات القسم: عبدالإله أحمد علي الشرفي قد حصل على معدل أكبر حيث حصل على 96.86% بفارق 0.81% من الدرجة وهذا فرق واضح.
كما أعلنت الوزارة أن الطالب: محمد عبد الله محمد أحمد هو الحاصل على الترتيب الثالث بمعدل 95%، بينما حصل الطالب الكفيف – زين العابدين سامي عبد الله محمد مرشد، على درجة أكبر حيث حصل على معدل 95.43%.

ليست المرة الأولى التي تحاول وزارة التربية والتعليم مصادرة فرحة المكفوفين وعدم الاعتراف بجدارتهم فقد سبق وأن أعلنت الوزارة استحداث قسم خاص أطلقت عليه “قسم ذوي الاحتياجات الخاصة وذوي الإعاقة” وهو قسم لا يوجد في الواقع الميداني للتربية والتعليم في اليمن فضلاً عن كونه غير قانوني إلا أنه تم استحداثه حينها لتستبعد طالبتين كفيفتين من أوائل الجمهورية بحجة أنهما من ذوات الإعاقة البصرية بالرغم من معدلاتهما المنافسة ولكن كرمتا على مضض، وسبق أن استبعدت رسمياً من التكريم ومن موقع الوزارة الأستاذة الكفيفة انتصار العريق التي كانت الأولى على الجمهورية وتم إعادت حقها وتكريمها في الظل، كما عانت من محاولة الاستبعاد الأستاذة الكفيفة حياة الأشموري ، السادسة على الجمهورية حينها.

استحدثت وزارة التربية والتعليم ذلك القسم للهروب من استحقاق الاعتراف بشريحة المكفوفين وحذرنا منه حينها وقلنا أنه مقدمة لاستبعادهم من خارطة الوزارة تماماً وهذا ما حصل فالطالبين الكفيفين عبد الإله وزين العابدين استبعدا من أوائل القسم الأدبي ولم يُعلن عنهما كأوائل لذلك القسم المزعوم. لماذا
يتم استبعاد الطلاب المكفوفين من سلم أوائل الجمهورية وهم يدرسون ذات المنهج في ذات القسم وفي مدارس عامة؟!!!.
ترى هل تشعر الدولة بالخجل من أن يصل الطلاب المكفوفون لأوائل الجمهورية والدولة اليمنية لم تطبع لهم حتى كتاباً واحدً منذ ستين عاماً ومن يطبع مناهج الدولة هي جمعيات المكفوفين بإمكانياتها المتواضعة؟!

هل كُتب علينا في هذه البلاد أن لا نأخذ شيء من دولتنا عن طيب خاطر وبالقانون، هل حتى ابتسامتنا ولحظات فرحنا علينا أن ننتزعها انتزاعاً؟!

لماذا يستبشر الأوائل من الطلاب المبصرين وأسرهم ويفكرون كيف يحتفلون بالإنجاز بينما الأوائل المكفوفين ومؤسساتهم وأسرهم يفكرون كيف يحشدون حججهم لإقناع الدولة والمجتمع بأنهم قادرون وكانوا أوائل بجهودهم وبأنهم درسوا وتعبوا واجتهدوا مثل زملائهم وأنهم يستحقون التكريم عن جدارة؟!

لماذا تسمح الدولة بأن يشعر المكفوفون بهذا الغبن والتجني وأنهم مواطنون من درجة أدنى؟!.

قبل الختام توضيح مهم بخصوص الصور المرفقة: يدرس طلاب القسم الأدبي ثمان مواد دراسية ويتم قسمة مجموع الدرجات على “8”، وكذلك الطلاب المكفوفين الذين يلتحقون بالقسم الأدبي يدرسون سبع مواد ويعفون من مادة الإحصاء لعدم توفر الوسائل العلمية اللازمة لدراسة وتمثيل مادة الرياضيات من الصف السادس وما بعده ما جعل الوزارة تعفيهم من الرياضيات والإحصاء علماً بأن المكفوفين في معظم الدول العربية يدرسون مادة الإحصاء وحتى جميع مواد القسم العلمي، وعليه يتم قسمة مجموع درجات الطالب الكفيف في القسم الأدبي على “7” حتى يقسم المجموع على المواد السبع التي درسها فقط.
ولا يمكن استكثار تلك القضية والمزايدة بها على استحقاق المكفوفين لأوائل الجمهورية للأسباب التالية باختصار: أولاً: أنهم لم يعفو من الإحصاء لعجزهم عنه فزملائهم في الدول الأخرى يدرسونه، ولكن الدولة هي التي عجزت عن توفير الوسائل والمنهج المُكيف..

 

ثانياً: أن الطالب الكفيف لم يتوفر له ما توفر لزميله المبصر فالدولة لا تطبع للمكفوفين المناهج بل تطبعها جمعياتهم بتكاليف طباعة باهضة ولا تستطيع تغطية المكفوفين في جميع المحافظات ما يضطرهم للمذاكرة بمناهج مسجلة صوتياً.
ثالثاً: عند الحديث عن المناهج المطبوعة بطريقة برايل للمكفوفين فهي مطبوعة بالخط البارز فلا يوجد فيها مثيرات كالألوان والصور والرسومات التوضيحية فقط يتم شرحها نصياً، وتخيلوا كتاب بلا صور ولا رسوم ولا خرائط ومطبوع بالأبيض والأسود.

رابعاً: حجم الكتب المطبوعة بطريقة برايل الكبير ووزنها الثقيل الذي يجعل من حملها والتنقل بها عملية صعبة جداً.
وهناك صعوبات ومشاكل أخرى تجعل إعفاء المكفوفين من مادة الإحصاء أمر هين مقارنة بما يواجهونه في العملية التعليمية.
ختاماً: أبارك للجمعية اليمنية لرعاية وتأهيل المكفوفين وصندوق رعاية المعاقين وللطالبين وأسرتيهما هذا الإنجاز . وأدعو الجمعية اليمنية للمكفوفين وكل مؤسسات المكفوفين ومؤسسات الأشخاص ذوي الإعاقة وفي مقدمتهم الاتحاد الوطني لجمعيات المعاقين اليمنيين وصندوق رعاية المعاقين للتحرك لرفض التمييز ضد المكفوفين وذوي الإعاقة في التعليم، وإنصاف الطالبين الكفيفين “عبد الإله الشرفي، وزين العابدين مرشد” والمطالبة بتكريمهما التكريم المستحق أسوة بزملائهما. وأدعو الدولة والجهات المعنية الالتفات للتطور النوعي والباهر في الجانب التعليمي لمؤسسات المكفوفين ودعمه وتشجيعه ليتم بدلاً من تكسير مجاديفه.

 

Comments (0)
Add Comment