سنابل الأمل / متابعات
د. عبدالله بن محمد الهزاع العريني
عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية للتوحد
طيف التوحد؛ هو اعتلال عصبي يتأثر له مخ الإنسان؛ فتظهر عليه اعتلالات عديدة؛ من أبرزها الانعزالية. ومن هنا جاءت تسمية هذا المرض بالتوحد Autism، ومصدر الكلمة في أساسها يونانية هي Autos ويقابلها باللغة العربية ” النفس / الذات”. يكون الشخص ذاتوياً بمعنى الانعزالية، أو أن يعيش مع ذاته بعيداً عن من حوله.
ومرض طيف التوحد- وأستأذن زملائي الأطباء- باستخدام مصطلح مرض؛ فالبعض منهم لا يرى تسميته مرضاً، ولكنني أقول بأن أي اعتلال يصيب جسم الإنسان هو مرض، مع معرفة مسبباته، كما هو طيف التوحد حيث لا يزال السر الغامض الذي لم تعرف بعد مسبباته ولا علاجه، كما أن تشخيصه إكلنيكياً غير متفق عليه. فالتشخيص يعتمد على الدليل التشخيصي للاضطرابات العقلية (DSM-5).
وطيف التوحد هو اعتلال يصيب الإنسان، وتظهر علاماته بشكل أكثر وضوحاً بعد السنة الأولى من ولادته، ومن أبرزها عدم اهتمام الطفل بالأصوات من حوله، وعدم توجيه ناظريه لمن يتحدث معه، خلال طفولته المبكرة، وتستمر معه هذه العلامات، وتطهر رغبته في الانعزالية عمن حوله، ومؤشرات وعلامات أخرى،تختلف من طفل لآخر تعدداً وشدة.
ولقد ساقني إلى كتابة هذه المقالة، ماشاهدته من معاناة شديدة لذي مرضى طيف التوحد في حياتهم الخاصة، بحكم قربي من مراكز تأهيل ذوي التوحد، ووقوفي على ما تعانيه أُسرُ ذوي التوحد من جهد بدني ونفسي في العناية بهذه الفئة من أطفالهم، لا سيما أن المسبب والعلاج غير معروف، و إنما تتوفر خدمة لتحسين تأهيل هؤلاء المصابين تأهيلاً شخصياً لقضاء حاجاته الخاصة، والتعامل المحدود مع المجتمع المحيط به. فإعاقة التوحد هي من أكثر الإعاقات إيلاماً للمصاب ولذويه؛ كونها تعني إعاقات متعددة، تحتاج إلى عناية على مدار الساعة، ولا أمل قريب في العلاج، إلا أن يشاء الله.
هذا الاعتلال الغامض أصبح يحتل هاجساً كبيراً على المستوى العالمي،فأعداد مصابيه في تزايد مضطرد،
حيث تشير إحصاءات إلى انتشار طيف التوحد 1% إلى 2.5%، وتكثر بين الذكور أكثر من الإناث بنسبة 1-4. وهي معلومات غير دقيقة؛ كونها تبنى على دراسات عامة، وليس على مسوحات واقعية. وهل الزيادة في الانتشار ناتج عن زيادة فعلية في الحالات، أم تطور في اكتشاف الحالات بزيادة وعي المجتمعات.
في المملكة العربية السعودية- حسب قراءاتي لا توجد إحصاءات حديثة عن نسبة انتشار التوحد على المستوى الوطني، ولم أطلع على دراسات مسحية سوى ماقام بها د. أحمد الجار الله- رحمه الله- وفريق متخصص من ضمنهم د. طلعت وزنه- استشاري المخ والأعصاب- وذلك قبل قرابة 25 سنة، وأظنها هي الدراسة اليتيمة.
والتوحد قضية مجتمعية تعليمية وصحية، أتمنى من الجهات الثلاث المعنية بهذا النوع من الخدمات النهوض بمسؤولياتها، وتشكيل فريق عمل، لإجراء دراسة مسحية لتحديد حجم المشكلة والاستعانة بمراكز الأبحاث في الجامعات ومركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة؛ للخروج بدراسة تبرز حجم المشكلة، ويمكن على أساسها وضع خطة وطنية للعناية بذوي طيف التوحد، وتطوير الخدمات اللازمة لهم تأهيلاً وتعليماً وإيواءً.
والمطلع على أهداف رؤية المملكة 2030، يجد أهدافاً واضحة للعناية بذوي الأعاقة، وتوجيهات القيادة الرشيدة، تؤكد دوماً على العناية بهذه الفئة من المجتمع. فمن يعلق الجرس!! تلك رسالة عاجلة إلى مسؤولي القطاعات الحكومية المعنية والقطاع الخاص، والقطاع غير الربحي!! آمل ان يكون قريباً. وأن يتم إعتماد سجل وطني لطيف التوحد.
صحيفة البلاد