سنابل الأمل / متابعات
وسط ركام المباني المحطمة في غزة، وقف باسم الحبل، مرتديا خوذته وسترة الصحافة الواقية، محاطا بأجساد ممددة على الأرض بينما كانت الرصاصات تتطاير من فوقه، يشرح بلغة الإشارة ما تعجز الكلمات عن وصفه.
في يد هاتفه المحمول، وفي الأخرى إرادة لا تلين. باسم، الشاب الفلسطيني الأصم، قرر أن يكون صوت من لا صوت لهم.
باسم الحبل (30 عاما) يصف نفسه عبر حسابه على إنستغرام بأنه “مراسل فلسطيني أصم في غزة“، وجعل من منصته نافذة إنسانية تطل على معاناة شعبه، خاصة أولئك الصم الذين غالبا ما يُقصون من دائرة الخطاب العام في أوقات الحرب.
يقول عبر صديقه ومترجمه محمد مشتهى “ما كان نفسي أضل قاعد. كان نفسي أوصل صوتي للعالم، وأوصل صوت الصم إللي ما بيحكوا ولا بيسمعوا”.
صحفي رغم الإعاقة
في تسجيلاته التي ينشرها على صفحته التي يتابعها أكثر من 140 ألف شخص، يوثق باسم مشاهد مأساوية: أطفال هزيلو الأجساد جوعا، أمهات يبكين جثث أبنائهن، مدنيون يجمعون دقيقا مختلطا بالرمال من بين الأنقاض، في تجسيد حي لتحذيرات منظمات الجوع العالمية التي تقول إن “سيناريو المجاعة يتكشف في غزة”.
يقول باسم عبر ترجمة مشتهى “رحت على المساعدات، شفت شهداء وإصابات. الناس يلموا الطحين والرمل من الأرض. وأنا أصور وأترجم بالعربي وبالإنجليزي علشان نوصل صوتنا”.
ولأن الصحافة لا تعرف حدودا للجغرافيا أو اللغة، أصبح باسم مراسلا ميدانيا بصريا ينقل الحقيقة كما يراها، لا كما تُروى. في أحد تسجيلاته، يقول وهو يشير إلى الركام خلفه “صورت حجم الدمار الهائل، وصورت فيديو، هروح على الخيمة أمنتجه وأصممه وأنشره علشان أوصل صوتنا”.
غرفة أخبار في خيمة
مثل مئات الآلاف من الفلسطينيين، لم ينج باسم من لعنة النزوح، فقد غادر مع عائلته شمال بيت لاهيا بعد بدء الحرب، ليستقروا في خيام أقيمت داخل مدرسة بدير البلح في الجنوب.
يقول “كانت الحياة كتير صعبة. ما في مجال الواحد يتريح، سنة ونص عايشين بالمدرسة”.
ورغم مرارة النزوح وفقدان الأمان، لم يتوقف باسم عن أداء مهمته. داخل الخيمة، يجلس لـ”يمنتج” ما صوَّره في النهار، ويراجع لقطات القصف، الأطفال، المعونات المنهوبة، والدموع التي لا تجد متسعا لتجف.
صوت لم يخفت
حتى اليوم، لا تلوح في الأفق أي بوادر لوقف إطلاق النار، بل إن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر صدَّق فجر الجمعة على خطة للسيطرة على مدينة غزة بالكامل، ضمن توسيع العمليات العسكرية، متجاهلا النداءات الدولية والتحذيرات الإنسانية.
لكن رغم كل هذا، ما زال باسم يتمسك بأمل يتيم، يتلخص في جملة نقلها عنه صديقه “بدنا نوصل صوتنا للعالم. بدنا نوقف الحرب. بدنا يدخلوا لنا أكل. أطعم أطفالي. وبدنا الحياة تكون حلوة”.
شبكة الجزيرة الاعلامية