الجمعيات التي تُعنى بذوي الاحتياجات الخاصة ليست بديلاً عن الدور الريادي للدولة

سنابل الأمل / متابعات

هل يجب أن يكون في العائلة طفل لديه إعاقة حتى نشعر بمعاناة من لديه طفل مُعاق؟ هل ما زالت المجتمعات العربية تخجل من الكشف عن وجود طفل معاق في العائلة، لأسباب ظاهرة أو متوارية وكلما ارتفع مستواها العلمي أو الاجتماعي انكمشت أكثر وحاولت إخفاء ذلك؟ أم وصلنا إلى مرحلة من الثقافة والمعرفة والحكمة لتقبّل الواقع والنظر إلى الموضوع من جانب إنساني، برضا بالحكمة الإلهية يساعد على مواجهة مجتمع لديه نظرة قاصرة في قراءة وتحليل أسباب الإعاقة، التي يكون قسم منها خارجاً عن إرادة البشر؟

إن نظرة أي طفل، أو حتى شخص كبير، إلى طفل أو إنسان لديه إعاقة، تعود إلى ثقافة المجتمع وتربية الأهل، وسياسة الدولة التي تُقدّم الرعاية والاهتمام والدعم والدمج، أو تتجاهل دورها وتتنصّل منه.

رعاية المعوقين سمعيّاً بين الواقع والآمال بتحقيق الاحتياجات:

أم هاجر اكتشفت إعاقة السمع عند ابنتها هاجر بعمر سنة وشهرين، والآن عمرها 16 سنة. في البداية كانت الصدمة قوية، لكن شعور الأم وإحساسها بالمسؤولية لمساعدة طفلتها على الشفاء دفعها إلى بدء رحلة البحث عن العلاج عند أطباء مختصين في دمشق، ثم الوصول إلى منظمة آمال لمتابعة تخطيط السمع وحالتها، ووضع سماعة أذن، لتنتقل بعدها إلى إجراء جلسات تأهيل نطق.

وعندما سمعت عن وصول بروفيسور أجنبي إلى طرطوس متخصص بحالات مشابهة لحالة ابنتها، توجهت لمراجعته على أمل لم يتحقق بعد، إذ أكّد ضرورة أن تضع ابنتها في مدرسة لتعليم لغة الإشارة لتترافق مع النطق، بسبب عطب العصب السمعي. عندها قررت إرسال هاجر إلى معهد التربية الخاصة للمعوقين سمعياً باللاذقية لتبدأ تعلّم لغة الإشارة، فكانت الاستجابة جيدة من ناحية تعلم الكتابة والنطق من الصف الأول إلى الصف السادس، لكن التعليم في المعهد توقّف منذ نحو سنة. ولفتت أم هاجر إلى أن توقف المدرسة والانقطاع عن التعليم سيؤثر سلباً على الأبناء والأهل.

أم هبة لا يختلف حالها كثيراً عن وضع أم هاجر، فقد مرّت بظروف مشابهة منذ اكتشاف إعاقة السمع عند ابنتها هبة، وصولاً إلى إرسالها إلى المعهد وتعلم لغة الإشارة، وفرحتها بتمكّن ابنتها من الكتابة وقراءة اللوحات المكتوبة. ولفتت إلى أن من حقهم الحياة والتعلم والرعاية وعدم التمييز، وطالبت بلسان كثير من الأمهات الجهات المعنية بالعمل على صيانة المعهد بعد تضرره وتأمين الباصات لنقل الطلاب لتحقيق أمل العودة إلى التعليم بوجود كادرٍ مدرّب باحتراف.

كما أعربت عن أملها في الحصول على قاموس لغة الإشارة مع دورات للأهل لتحقيق التواصل مع الأبناء، مؤكدة أن الجمعيات الخيرية أو الأهلية التي تُعنى بذوي الاحتياجات الخاصة ليست بديلاً عن الدور الريادي للدولة في الرعاية والدعم والاهتمام، رغم وجود إشراف من وزارة الشؤون. ودعت إلى الاستفادة من تجارب الدول المجاورة كالأردن بتفعيل الخبرات والإمكانيات ومواكبة أحدث وسائل الرعاية والتعليم للنهوض بالواقع. وأضافت أن الكثير من الأبناء الذين لديهم إعاقة سمعية يتمتعون بذكاء وقدرة على تعلم المهن اليدوية وينجحون بوجود الاهتمام والرعاية والدعم من الجهات التي تُساعد أهلهم على تحقيق اعتمادهم على ذاتهم مستقبلاً ليكونوا فاعلين في المجتمع لا عبئاً عليه، مع شعور بالاطمئنان والأمان في رحلة الحياة.

جمعية رعاية الصم والبكم باللاذقية بين الخدمات المقدَّمة والاحتياجات المطلوبة:

التفاوت في القدرات والإمكانيات بين الجمعيات الأهلية والخيرية ظاهرة واضحة في مدينة اللاذقية، سواء كانت قديمة أو حديثة، إذ يحكمها الفارق الفردي بين إدارات الجمعيات ونشاطها، ومدى توجه المجتمع المحيط بالدعم، والقدرة على التواصل مع المنظمات الدولية الداعمة، والأهم هو وقوف مديرية الشؤون على مسافة واحدة من الجمعيات إشرافاً ومتابعة ودعماً يتجاوز مجرد تقديم تقارير العمل الورقية الخاصة بالنشاطات والمشاريع.

ومن بين تلك الجمعيات جمعية رعاية الصم والبكم باللاذقية التي تأسست عام 1958، وتعاقبت عليها إدارات وصولاً إلى مجلس الإدارة الحالي، وجميع أعضائه من الصم والبكم بانتخابات من المنتسبين أنفسهم.

في لقاء مع نائب أمين السر في الجمعية شيرين قرطالي، التي تعمل في الجمعية منذ سنتين، أكدت أن الجمعية مظلومة من ناحية الدعم والاهتمام من مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل، ما اضطرها للعمل بإمكانياتٍ محدودةٍ جداً، مع تراجع واردات الدعم والتبرعات من فاعلي الخير بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، وخاصة في العام الأخير، بالإضافة إلى وجود إجراءات إدارية ومالية معقدة لسحب مبالغ من رصيد الجمعية في البنك لتسيير الأمور.

وحول نشاطات الجمعية، لفتت قرطالي إلى أن الجمعية تسعى لتعزيز التواصل عبر لقاء المنتسبين في مقرها، والبالغ عددهم نحو 450 منتسباً تتراوح أعمارهم بين 3 سنوات و70 سنة، لكن المنتسبين من الريف يتعذر عليهم الحضور بسبب تكاليف التنقل التي قد تفوق ما يُقدَّم من حصص غذائية بسيطة أو سلال صحية أو ألبسة مستعملة.

وفيما يخص نشاط الجمعية في محور التدريب والتأهيل المهني، قالت شيرين: أكبر شريحة عمرية موجودة لدينا تتراوح أعمارها بين 15 و25 سنة، ونحن نراجع مديرية الشؤون مراراً وتكراراً لطلب دعم الجمعية بمشاريع ودورات تدريب وتأهيل، ونأمل الاستجابة قريباً. وأشارت إلى وجود متبرع من البطريركية في حي الدعتور يقدّم مواداً أولية للتدريب على المهن اليدوية مع مدربين، بانتظار موافقة مديرية الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع منظمة اليونيسف.

كما نوّهت إلى مشاركة الجمعية في ورشة عمل في مديرية الشؤون بالتعاون مع اليونيسف حول واقع الخدمات المقدَّمة لذوي الإعاقة والاحتياجات المطلوبة، إضافةً إلى ورشة أخرى حول التكييفات التكنولوجية للأشخاص ذوي الإعاقة برعاية المنظمة الفنلندية للإغاثة في سوريا، مشيرةً إلى اجتماع برعاية وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل هند قبوات، لرصد العقبات والاحتياجات، بحضور 180 جمعية ومؤسسة في اللاذقية.

وختاماً: الجمعيات الأهلية والخيرية لاتمتلك الخبرات أو الإمكانيات الكافية والمطلوبة للنهوض بالواقع دون تدخل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عبر قرارات مركزية تتجاوز الإشراف والتقارير إلى الحضور الفاعل بما ينعكس على أرض الواقع ويتلمسه كل من لديه إعاقة، ويتم تعميمها على الفروع بالمحافظات، وتفعيل المكتب الإعلامي في مديرية الشؤون باللاذقية بالبعد عن المركزية ومنح صلاحيات الإجابة على أسئلة ننتظر الرد عليها منذ عشرة أيام ليغيب رأي الجهة الرسمية في الموضوع

Comments (0)
Add Comment