سنابل الأمل/ خاص
بقلم: د. عثمان بن عبدالعزيز آل عثمان
زمنٌ تتسارع فيه المواقف وتتباين فيه الطباع، حتى غدا التدقيق في كلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ سلوكًا يسرق منّا صفاء القلب وطمأنينة الروح. كثيرٌ من العلاقات الصادقة انهارت بسبب سوء تأويلٍ أو تحليلٍ مفرطٍ لكلمةٍ عابرة، وكثيرٌ من القلوب الطيبة ابتعدت لأننا لم نحسن الظنّ، ولم نتغافل عن الهفوات التي جُبل عليها البشر. فالحياة لا تحتمل هذا الكمّ من المحاكمات اليومية على كلّ لفظٍ أو نظرةٍ أو تصرّفٍ غير مقصود، ومن أراد صفاء العيش فليتعلّم فنّ التغافل، وليُدرك أن الكمال لله وحده سبحانه، وأن البشر خطّاؤون مهما اجتهدوا.
أجمل الردود أحيانًا هي الصمت، وأبلغ الكلمات تلك التي لم تُقال؛ فبعض المواقف لا تحتاج إلى تعليقٍ بقدر ما تحتاج إلى حكمةٍ وسَعة صدر. التغافل ليس ضعفًا، بل هو ذكاءٌ وسموّ، وحِكمةٌ تُعلّمنا أن نعيش بسلامٍ مع أنفسنا والآخرين. فالعين لا تُبصر الجمال إلا إذا أغمضت عن العيوب، ومن راقب الناس مات همًّا، والخطأ من صفات البشر، والمغفرة من صفات العظماء. من عرف قدر نفسه وتغافل عن الزلّات، أدرك أن راحة القلب في الصفح، وأن السعادة في النسيان الجميل لا في الإصرار على المحاسبة.
ومن أعظم النِّعَم أن تكون ممّن يألف ويُؤلَف، هيّنًا ليّنًا، رحيمًا بالناس، متغافلًا عن الزلّات، محسنًا للظنّ، غافرًا للإساءة. فأجمل الناس خُلُقًا ليس من لا يُخطئ، بل من إذا أُسيء إليه عفا وتسامح. من يزرع التسامح يجني المحبة، ومن يتغافل يحيا مرتاح الضمير. في التغافل سلامةٌ للقلب، ورفعةٌ للنفس، وطمأنينةٌ للحياة، لأنه يجعلك ترى الناس بعين الرحمة لا بعين الحساب.
اللهم اجعلنا من عبادك الذين يحملون قلوبًا سليمة، ونفوسًا سمحة، وألسنةً صادقة، ووجوهًا بشوشة، واملأ قلوبنا رضا وتغافلًا وطمأنينة.
هذا مقالٌ متواضع، والتوفيق من الله سبحانه، ونرجو العفو عن أي خطأٍ أو نسيان، ونرحّب بأي ملاحظةٍ أو اقتراحٍ عبر البريد الإلكتروني:
📧 OZO123@HOTMAIL.COM