تطاوين: المطالعة بلغة الإشارة .. تجربة تساعد فئة من ذوي الاعاقة على التعلم والاندماج في المجتمع لكنها محدودة في غياب دعمها

سنابل الأمل/ متابعات

تلتقي خولة مرة في الأسبوع، بمجموعة من الاطفال، تتراوح أعمارهم بين ال06 وال14 عاما، أطفال لئن تباينت أعمارهم، واختلف نوع إعاقتهم (فمنهم من لا يسمع، ومنهم من لا يتكلم وبعضهم يعاني من طيف التوحد)، الا ان رغبهم في تحدي اعاقتهم والتشبث بالتعلم تجمعهم وتقويهم، فبرنامج “المطالعة بلغة الاشارة”، الذي اطلقته “خولة” رفقة زميلتها “نبيهة” برنامج تثقيفي تعليمي، الهدف منه تعميق معرفة الأطفال حاملي الإعاقة السمعية والنطقية بلغتهم، ودمجهم في محيطهم ومجتمعهم، وإعطائهم فرصة الاستفادة من إمكاناتهم وقدراتهم ومواهبهم.

يجتمع الأطفال في ركن خُصص لهم داخل المكتبة العمومية بالرقبة، إحدى عمادات ولاية تطاوين الجنوبية، وتختار لهم “خولة”، أمينة المكتبة العمومية، رفقة أساتذة في لغة الإشارة، قصة تُروى لهم باستخدام لغة الإشارة، حتى لا يحرموا من حقهم في التعلم والتمتع بمضامين القصص والروايات كسائر أقرانهم، وهي من الاهداف التى اطلقت من اجلها “خولة” منذ ثلاث سنوات مبادرة تعليم الأطفال ذوي الإعاقة (صم، بكم وتوحد) باستخدام لغة الإشارة كإحدى الوسائل التواصلية، وإيمانا منها بأحقية هذه الفئة المهمشة، في التعلم لتسهيل عملية إدماجهم في المجتمع.

“أنا سعيدة جدا بانضمامي إلى هذا الفريق، لقد تعلمت الكثير من الأشياء بفضل أساتذتي”، هكذا اجابت “ابتهال” بصوت متقطع وبكلمات ثقيلة، مستخدمة لغة الإشارة، عن سؤال صحفي “وات” بخصوص انضمامها للمجموعة، حيث بدت ضاحكة مستبشرة بما يقدم لها من علم ومعرفة، بشكل لا تعرف سواه، فلئن كانت تسمع قليلا، فهي عاجزة عن القراءة بشكل طبيعي، في عيونها كثير من الكلام ترغب في البوح به، لكن لسانها لا يُسعفها ككل مرة.

“إبتهال” طفلة ذات ال14 ربيعا، انضمت إلى ركن المطالعة بلغة الإشارة منذ مدة، عبرت لنا عن سعادتها المفرطة بوجودها في هذا الفريق لأنه يعتبر متنفسا لها ولبقية زملائها، فالدراسة والتعلم مع اطفال في وضعيتها، لمهارات الكتابة والرسم على الورق، تبعث في النفس الفرحة والمتعة “نتعلم كل شيء … أساتذتنا يعملون معنا بجد حتى نستطيع أن نتعلم وننجح في مدارسنا”، وفق تعبيرها.

بدوره عبر “سالم” طفل ال13 سنة، الحامل منذ الصغر لإعاقة سمعية، تساعده في مجابهتها سماعة الأذن، عن سعادته بهذه التجربة “المثيرة” حسب وصفه لها قائلا “تعجبني جدا حصة المطالعة بلغة الإشارة لأنها تساهم في دعم مهاراتي التعليمية والحركية “، كما تحدث عن غرامه وعشقه للصور، وهو ما جعله يتميز في نشاط الرسم على الورق، وهو نشاط رئيسي تعتمده المشرفات كأحد المقومات الداعمة لحصة “المطالعة بلغة الإشارة”، حيث يتم اختيار قصة محددة، ثم يقوم الأطفال برسم موضوع القصة على الورق، ليتم بذلك التحصيل العلمي والمعرفي والحركي، وهو أسلوب بيداغوجي تعتمده المشرفات في كل حصة.

أصوات الأيدي في هذا الركن من المكتبة لا يُسمع معها دبيب آخر، هنا أطفال يعيشون حلم الدراسة والتعلم والتطور، ولئن لم تسعفهم ألسنتهم في ذلك، فقد وجودوا المساعدة من استاذة لغة الاشارة “نبيهة” التى صرحت ل”وات” بان الفكرة كانت في البداية مجرد اقتراح، لكن تبلورت وتحققت وهو ما يجعلها سعيدة حيث تقول “لا أستطيع أن أصف مدى سعادتي”، واضافت انه بمجرد انطلاق الفكرة بدا العمل بالتنسيق مع فرع الجمعية التونسية لمساعدة الصم بتطاوين، من أجل تحديد خطة العمل وتسجيل الأطفال الذي ينوون الالتحاق بالنادي، لتنطلق القصة ويصل عمرها الآن ثلاث سنوات.

واصلت “نبيهة” الحديث عن التجربة لتقول انه تم تحديد يوم الأربعاء من كل أسبوع ليأتي فيه الأطفال إلى المكتبة العمومية لتلقي مهارات تعليمية مختلفة من رسم وتلوين، وكتابة وألعاب ترفيهية، ثم يقع اختيار قصة في كل حصة تروى لهم باستخدام لغة الإشارة، وتختار القصة بعناية فائقة، لضمان المزج بين ما هو تعليمي وتوعوي، لذلك تختار المشرفات في كل مرة قصة تحتوي حركات كثيرة تنمي مهارات الأطفال حركيا، وتستخلص منها حكمة يتعلمها الصغار، وفي كل مرة حكمة جديدة.

“فئة الصم والبكم .. فئة تعاني من التهميش في تطاوين خاصة وفي تونس عامة ” بهذه الكلمات، وصفت “نبيهة”، واقع وحال هؤلاء الأطفال، حيث أكدت عدم توفر الإمكانيات وقلة الدعم الموجه لهم، فكل الموارد ذاتية تتقاسمها مع زميلاتها، وفي كل مرة تلتجأ المشرفات إلى شراء معدات التلوين والكتابة أو الخروج في فسحة من مواردهنّ الخاصة، وطالبت بهذا الخصوص السلطات المحلية بالتحرك في اتجاه دعم مثل هذه المبادرات، ولما لا أن تقوم الدولة بطباعة القصص بحركات لغة الإشارة إلى جانب الكتابة، وبهذا لا يحرم الأطفال الصغار من حقهم في القراءة والمطالعة.

في ركن زُينت جدرانه برسومات الأطفال، يجلس عدد منهم في هدوء على مقاعد المكتبة منتبهين للغة الأيدي التي تحكي لهم قصة من بعيد، هم لا يسمعون ضجيج الكلمات، فقط صمت الأيادي تروي لهم فحوى الكتاب الذي تحمله “سالمة” استاذة لغة الإشارة بين يديها الناطقتين، فبالنسبة لهذه المنشطة فان تجربتها في المجال بدأت بعد ان وجدت صعوبة في التعامل مع زميلة لها من ذوي الاعاقة السمعية، فتعلمت لغة الاشارة وانطلقت مع فكرة ركن “المطالعة بلغة الإشارة” بهدف إدماج الصغار من ذوي الإعاقة داخل المجتمع وإبعادهم عن هاجس الوحدة.

“لغتهم جميلة جدا ووجدت فيها نفسي بعد أن تعلمتها … هم صغار يحملون الكثير من المعاني الطيبة ولا يجب أن يحرموا من حقهم كسائر الأطفال الآخرين في التعلم والقراءة وأن يندمجوا داخل المجتمع الواحد”، تؤكد “خولة” صاحبة الفكرة، أن الأطفال في هذا الركن يتعلمون شيئا فشيء، فهم يمارسون القراءة بلغتهم وهو ما يجعلهم مرتاحين وبعيدين عن كل الفوارق التي صنعها المجتمع.

تؤكد “خولة” أن الهدف من الركن هو تعليم الأطفال مهارات التواصل، فهذا الركن يأتي في إطار مبادرة وزارة الثقافة “نقرأ من أجل غد أفضل” واختيار هذه الفئة بالذات هو تحد تحاول كسبه منذ زمن بعيد مع زميلاتها، إضافة إلى أن هذا الركن سيساعد الأطفال على بناء علاقات اجتماعية قوية في المدرسة والمستقبل، وادماجهم في الأوساط الثقافية حيث شارك “ركن المطالعة” في الدورة السابقة للمعرض الوطني للكتاب، وأثار ذهول الحاضرين بمشاركته التى كانت فاعلة.

وذكرت “نبيهة” ان المندوبية الجهوية للتنمية الثقافية بتطاوين، مكنت المجموعة من “ركن في المكتبة العمومية بالرقبة، وتوفر بعض المساهمات الاخرى، وهي الوحيدة التى تدعم الفكرة لكن ذلك يبقى غير كاف أمام متطلبات الفريق واحتياجاتهم المكتبية خاصة “، وفق قولها، معتبره انه بشكل عام تعاني فئة حاملي إعاقات الصمم، من قلة الدعم والإمكانيات، وهو امر توافقها فيه “خولة” مؤكدة ضرورة توفير مزيد من الدعم

يعاني اصحاب الاحتياجات الخصوصية من الصم والبكم في ولاية تطاوين والذين يفوق عددهم 600 حامل إعاقة سمعية، تحديات وصعوبات أبرزها عدم التفات المصالح المختصة لاحتياجاتهم، فرغم محاولة جمعيات الصم والبكم ونشطاء المجتمع المدني في الجهة توفير الفرص المتساوية تعليمياً واجتماعياً لهذه الفئة، خاصة بإطلاق مثل هذه المبادرات، إلا أن الواقع لا يزال بحاجة إلى الكثير من العمل، إذ لا تزال لغة الإشارة غير منتشرة على نحو واسع، كما أن حقوقهم وخاصة المدرسية لا تزال منقوصة، فظروف عيشهم تختلف عن بقية التلاميذ.

وتدعو المشرفات على هذا البرنامج، كل الأطراف، الى دعم مثل هذه المبادرات ومزيد الإهتمام بهذه الفئة، حتى تتمكن من الاندماج داخل المجتمع ويكون لها مستقبلا واضحا، من خلال إقتراح أن تتحول المبادرة إلى مشروع وطني يضمن الاستدامة والإشعاع ويلبي حاجيات آلاف حاملي هذا الصنف من الإعاقة وطنيا.

وات / بابيت تونس

 

الأشخــــــاص ذوي الإعاقةالأشخاص ذوي الإعاقهالمشاكل النفسيه لذوي الإعاقهتمكين الاشخاص ذوي الإعاقة
Comments (0)
Add Comment