ذوو الإعاقة في المغرب بين “الحُقْرَة” وحلم التمكين السياسي
سنابل الأمل .. صيف 22
عندما ترشحت للانتخابات أول مرة، سمعت بعضهم يقول عني بتهكم: ‘هل يستطيع هذا المعاق فعل شيء’؟ واجهت كلامهم بابتسامة، وقلت في نفسي: انتظروا قليلاً وسترون”؛ يحكي محمد المودن، 37 سنةً، المنحدر من جماعة أونان التابعة لإقليم شفشاون (شمال المغرب)، عن قصة انخراطه في العمل السياسي منذ سن مبكرة، وما عاناه من صعوبات كونه واحداً من ذوي الإعاقة (إعاقة حركية على مستوى الرجل).
يقول المودن، الموظف في وزارة الثقافة، في حديثه إلى رصيف22، إن “اهتمامي بالسياسة بدأ عندما كنت في سن الـ16 سنةً، من خلال متابعتي للانتخابات المحلية التي أجريت على مستوى مسقط رأسي بجماعة أونان، بعدها انخرطت بشكل فعلي في حزب التجمع الوطني للأحرار (حزب ليبرالي)، سنة 2007، وتدرجت في المهام والمسؤوليات، لأترشح سنة 2015 في الانتخابات الجماعية”. وأردف: “كانت تجربةً مميزةً، مكّنتني من الوقوف لأول مرة أمام الساكنة لأقدم لهم برنامجي الانتخابي، وكنت حينها أول شاب من ذوي الإعاقة يترشح للانتخابات على مستوى الجهة (المحافظة)”.
تميّز في مواجهة التمييز
“لم أتمكن من الفوز، لكن النتائج كانت إيجابيةً، إذ لم يكن فارق الأصوات بيني وبين الفائز كبيراً، الأمر الذي شجعني على المواصلة والاستمرار، إذ رشحني الحزب خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2016 ضمن لائحته الوطنية في جزئها المخصص للشباب. وفي سنة 2017، انتُخبت رئيساً لمنظمة الشبيبة التجمعية في جهة طنجة تطوان الحسيمة، وعضواً في المجلس الوطني للحزب”، يضيف المتحدث.
برغم ما عاناه من تبخيس وتشكيك في قدرته على الفعل السياسي من قبل البعض، واصل المودن نشاطه، مدافعاً عن قضايا المواطنين وقضايا ذوي الإعاقة، ليتوّج نضالاته سنة 2021، بالفوز بمقعد داخل المجلس الجماعي في “أونان”، بعدما منحته الساكنة ثقتها. يدعو اليوم “ذوي الإعاقة إلى ضرورة تملُّك الشخصية القوية، والانخراط في الأحزاب السياسية، حتى لا تبقى مشاركتهم مرتبطةً فقط بالتصويت، بل يجب عليها أن تتعدى ذلك للترشح من أجل الوصول إلى مراكز القرار والمساهمة في صناعته، والتأثير في السياسات العمومية. وفي المقابل، يجب على الأحزاب السياسية أن تمنحها الفرصة من أجل إثبات الذات”.
مطالب بتخصيص “كوتا” لذوي الإعاقة
يوسف حسيك، مخرج سينمائي ومسرحي، من مواليد 1980 في الدار البيضاء، يحكي عن تجربته في صفوف حزب “الاستقلال” (حزب محافظ)، بالقول لرصيف22، إن “الأشخاص ذوي الإعاقة هم أصحاب همم يبذلون مجهوداً مضاعفاً لإثبات الذات، ولا يجب النظر إليهم بعطف ودونية، بل ينبغي تشجيعهم، لأن العمل السياسي يناقش الأفكار وليس الأشخاص، وهذه الفئة تشكل مصدراً من مصادر العطاء بمختلف أنواعه. وأنا شخصياً لا أتعرض للتمييز، إذ أُجبر الآخر على احترامي، من خلال تميّزي بعيداً عن إعاقتي .
وانتقد حسيك، “تقصير الأحزاب السياسية في منح الثقة لفئة ذوي الإعاقة، إذ لا يتم ترشيحها على رأس القوائم الانتخابية في مختلف الاستحقاقات الانتخابية والتنظيمية، بسبب نظرة الأحزاب السياسية التي لا تختلف عن النظرة المجتمعية إلى ذوي الإعاقة”، مضيفاً أن “هناك مشكلةً على مستوى القانون المغربي الذي يعطي للمرأة والشباب حق التمثيلية داخل المؤسسات المنتخبة من خلال اعتماد ‘كوتا’ (نظام الحصص) خاصة بهم، في حين لا وجود لتمثيلية خاصة بذوي الإعاقة”.
في السياق ذاته، استرسل حسيك، في حديثه إلى رصيف22، بالتأكيد على ضرورة “تخصيص المشرع المغربي لتمثيلية حقيقية لذوي الإعاقة في المؤسسات المنتخبة، لأن نجاح التجربة السياسية لذوي الهمم تحتاج أساساً إلى قوانين تخدم مصالح هذه الفئة .
تخلّيت عن فكرة الانتماء الحزبي!
“تجربتي داخل حزب العدالة والتنمية (حزب ذي مرجعية إسلامية)، كانت مهمةً جداً، حصلت بفضلها على تكوين حقيقي سواء فكرياً أو سياسياً، من خلال الندوات أو المحاضرات التي كنت أحضرها، كما ساهمت في تشكيل نضجي السياسي”، يقول إلياس الحافر، من مدينة الخميسات، البالغ من العمر 32 سنةً. قضى الشاب أزيد من 12 سنةً من الانتماء الحزبي، كونه واحداً من ذوي الإعاقة الذين اختاروا ولوج العمل السياسي من بوابة الأحزاب السياسية”، مؤكداً أنه لم “يُمنح أي فرصة لتبوء مهام قيادية أو انتخابية باسم الحزب، الأمر الذي دفعه إلى التخلي عن فكرة الانتماء الحزبي .
لست أنسى لحظة تكريمي من طرف شبيبة حزب العدالة والتنمية، خلال ملتقاها الوطني سنة 2014، بحضور السيد عبد الإله بنكيران الذي كان حينها رئيساً للحكومة المغربية، وذلك بمناسبة حصولي على شهادة البكالوريا. لقد كانت لحظةً مهمةً جداً في حياتي وأنا أستمع إلى شهادة رئيس الحكومة في حقي، والتي كانت إيجابيةً جداً”، يضيف الحافر في حديثه إلى رصيف22.
يدعو المتحدث، إلى إعطاء الفرصة لذوي الإعاقة وترشيحهم من أجل الحضور داخل المؤسسات المنتخبة، انطلاقاً من تكوينهم الجامعيّ والمؤسساتي، مذكّراً بتجربة “حزب الأصالة والمعاصرة (حزب يسار الوسط)، الذي كانت له نائبة برلمانية تنتمي إلى فئة ذوي الإعاقة، خلال الولاية التشريعية 2011-2016”.
تراكم إيجابي وأعطاب بنيوية!
يرى رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان نبيل الأندلسي، أن “العراقيل التي تواجه هذه الفئة، على مستوى العمل السياسي، لا تنفصل عن أعطاب المنظومة السياسية في المغرب، وعن الثقافة السياسية المهيمنة لدى عموم القيادات الحزبية. كما أن نسبة مشاركة ذوي الإعاقة في العملية السياسية تبقى ضعيفةً جداً”، مشيراً إلى أن “التمكين السياسي لهذه الفئة، برغم أهميته، يُغطّي عليه مطلب التمكين الاقتصادي والاجتماعي، الذي يبقى ذا أولوية، لكن هذا لا ينفي المسؤولية عن الأحزاب السياسية، والإطارات المدنية، والحكومة، للمساهمة في تفعيل التمكين السياسي لهذه الفئة، بالتوازي مع تعزيز حقوقها الاقتصادية.
وأكد الأندلسي، في تصريح لرصيف22، أن “المغرب حقق تراكماً مهماً لصالح النهوض بوضعية الأشخاص ذوي الإعاقة، من خلال نصّ دستور 2011 الذي منع التمييز على أساس الإعاقة، ودسترة الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للأشخاص ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى مصادقة المملكة على الاتفاقية الدولية لحقوق ذوي الإعاقة بمعية البروتوكول الاختياري، وكذا إصدار القانون الإطار رقم 13-97 المتعلق بتعزيز حماية حقوق الأشخاص الذين في وضعية إعاقة”، مردفاً أن “هذه المجهودات وهذا التراكم التشريعي الإيجابي يبقى في حقيقته، دون انتظارات هذه الفئة، ومتطلبات إدماجها المجتمعي، والذي لا يشكل الجانب السياسي إلا أحد مجالاته”
بدوره، يقول رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان عادل تشيكيطو: “وجدنا من خلال الاستماع إلى عدد من الأشخاص حول تجربتهم في العمل الحزبي، أن مشاركتهم لا تتعدى منطق التأثيث ضمن بعض الأحزاب، أو لا تتجاوز حدود استعمالهم كقاعدة انتخابية ضمن أحزاب أخرى، وهو الأمر الذي يعيق وصولهم إلى مراكز القرار داخل تلك الأحزاب، ولا يسمح بحصولهم على تزكيات الترشح للانتخابات وتمثيل فئتهم داخل المجالس المنتخبة، الأمر الذي ينتج سياسات عموميةً أو محليةً غير قادرة على فهم أبرز المتطلبات السوسيو-مجالية لفئة الأشخاص ذوي الإعاقة”.
ويضيف أن “مشاركة هذه الفئة داخل الأحزاب السياسية ضعيفة جداً، مما يحتم على تلك الأحزاب التفكير في سبل استقطابها وإدماجها في الحياة السياسية، وتأهيلها للدفاع عن قضاياها وقضايا المجتمع بشكل عام، إعمالاً لمقتضيات المادة 29 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي تكفل لهم إمكانية المشاركة بصورة فعالة وكاملة في الحياة السياسية والعامة على قدم المساواة مع الآخرين، من خلال حث الدول على تهيئة بيئة يتسنى فيها للأشخاص ذوي الإعاقة المشاركة الفعلية والكاملة في تسيير الشؤون العامة، دون تمييز”.