سنابل الأمل / متابعات
*فاطمة ناعوت
لا شكَّ أن الدولة المصرية الراهنة باتت تولى اهتمامًا مشهودًا بأبنائنا من «ذوى الهمم».
وأطلق الرئيس السيسى مبادرات طيبة تستهدف توسيع مِظلة الحماية المجتمعية لذوى الهمم، كان آخرها تصديقه على قانون دعم صندوق «قادرون باختلاف» بمليار جنيه. وهنا أتمسّك بالعبارة الجميلة: «قادرون باختلاف» لأتحدث عن أبناء «طيف التوحّد» Autism Spectrum الذين يزداد عددهم بشكل مخيف، فمن الصعب أن نُطلق عليهم «مرضى»، بل هم «مختلفون» يرون العالم على غير ما نرى، ويتصرفون تجاه الأشياء على نحو مغاير لما نسلك. والمشكلة، بل النعمة، في المتوحدين، أن ملامحهم طبيعية تمامًا، فلن تكتشف أنك أمام «متوحد» إلا حين تبادره بالحديث، وتكتشف أنه لا يعبأ بك رغم إدراكه لما تقول، ماعدا المجاز والمبالغات والمجاملات التي لا يتعامل معها عقلُه.
ولن ينظر في عينيك مباشرة، فتظنه خجولًا أو منطويًا، ولن تنتبه لكونه من «القادرين باختلاف». لهذا فهم أكثر الناس عُرضة للتنمر.
أتكلمُ اليومَ لا بوصفى كاتبة، بل بصفتى أمًّا لطفل متوحد، صار اليوم شابًّا جميلًا في التاسعة والعشرين من عمره.
لهذا فأنا أحمل في سلّتى خبرة ثلاثين عامًا معايشة يومية مع «التوحد»؛ قرأتُ خلالها عشرات الكتب ومئات الأبحاث وطاردتُ خلالها آلاف بوارق الأمل في الشفاء، حتى تيقنت أخيرًا أن «الاختلاف» عن الشائع لا شفاء منه لأنه أصلًا ليس مرضًا.
لكننى لا أدرى مصير ابنى بعدما أمضى إلى حيثُ تمضى الأمهاتُ ولا يعدن. ومع يقينى أن الله أحنُّ على ابنى منّى ومن البشر، إلا أن تفاصيل حياته ونوعية طعامه الخاص تستوجب قلقى، فمن الخطر أن يأكل المتوحدون الخبز والحليب ومشتقاتهما لأن «الجلوتين» في القمح، و«الكازيين» في الحليب يشكلان خطورة عليهم بسبب نفاذية الأمعاء ومشاكل guts brain access أي التواصل بين المخ والجهاز الهضمى. لهذا أُطعم ابنى «خبز اللوز» و«حليب اللوز» وأنواعًا معينة من المكسرات غير متوفرة في مصر وغيرها من المواد باهظة الثمن، لكنها بالنسبة لابنى كالماء والهواء، لو أوقفتها عنه تتدهور حالته وتتكاثفُ حول مخه سحائب الضباب التي تعوق تواصله مع الناس والحياة.
لهذا أناشد الرئيس السيسى والدولة المصرية الكريمة والمجتمع المدنى ورجال الأعمال النبلاء أن تتكاتف جهودهم لإنشاء «مدينة الأحلام للمتوحدين» كما رسمها الكيميائى- الحيوى المصرى- الكندى «رامز سعد»، الذي كان له الفضل بعد الله في اكتشاف المعادن الثقيلة في جسم ابنى «عمر» بعد تحليل خصلة من شَعره في معامل كندا، ثم وضْعِ بروتوكولٍ غذائىٍّ خاصٍّ التزمتُ به وكانت نتائجه فائقة؛ فبدأ «عمر» يخرج من شرنقة الانعزال عن العالم ويتفاعل ويتحدث. لكن هذا البروتوكول الغذائى يجب أن يستمر طوال العمر وإلا انتكس، فما أحوجنا، كأمهات لأطفال متوحدين، لهذه المدينة الفاضلة التي سوف تكون لأطفالنا ملاذًا بعد رحيلنا عن هذا العالم.ملامح مدينة الأحلام كما رسمها «رامز سعد» ويحلم بأن تكون بلدُه مصرُ رائدةً في تشييدها: مخصصة لأطفال اضطراب طيف التوحد ASD لمساعدتهم على مواصلة الحياة بشكل صحى.
المدينة مبنية على أسس علمية وأبحاث عمل عليها لسنوات أثبتت أن مشكلة طفل «التوحد» هي «عدم اتصال المخ بالمعدة» بسبب خلل نسب المعادن في جسمه. هذه المدينة سوف تُجهّز بأجهزة لفحص صورة الدم والسكر التراكمى والكانديدا وفيتامين د، ومعامل لتحليل المعادن، الصحية والسامّة، في جسم المتوحد، ثم يوضع لكل طفل بروتوكول غذائى خاص وفق بصمته المعدنية؛ لإخراج السموم التي تعوق تواصله الاجتماعى مع الناس. المدينة ستكون مجهزة بأطباء أسنان ومخ وأعصاب وجهاز هضمى وإخصائيى تخاطب وتعديل سلوك.
وبالطبع عربة إسعاف وصيدلية وفريق تمريض مُدرّب. سيكون بالمدينة معاملُ مخصصةٌ للأبحاث وتسجيل الإحصاءات ومراقبة نسب تحسن الحالات.
وسيتم تدريب كوادر جديدة من مختلف الدول، مع فتح باب التطوع لمَن يريد المشاركة بهذا المشروع القومى النبيل. سيكون بالمدينة قاعات مخصصة لتنمية المهارات وتعليم الفنون الجميلة كالرسم والموسيقى لأن أبناء التوحد غالبًا موهوبون في الفنون.
وبالمدينة أرضٌ للفروسية وملاعب تنس وسلة وكرة قدم وتراك جرى ودراجات وحمام سباحة أوليمبى لأن الرياضة جزء أساسى من بروتوكول العلاج.
سيكون هناك مطبخٌ مخصص لإعداد الوجبات الخاصة بكل طفل وفق البروتوكول الغذائى المناسب لبصمته المعدنية. وسيكون بالمدينة حقول لزراعة الأعشاب والنباتات اللازمة في رحلة علاج الطفل التوحدى، وستُزرع بطريقة عضوية فقط دون مبيدات. سيكون هناك دورات تدريبية للأهل لتدريبهم على كيفية التعامل مع الطفل وتعليمهم أسس التغذية السليمة التي يحتاجها في كل مرحلة من مراحل علاجه. وسيقيم الطفل أو الشاب بهذه المدينة حتى نضع قدميه على طريق الشفاء بإذن الله ليخرج إلى الحياة إنسانًا كامل الأهلية، وقد يساهم المتوحد بعد شفائه في مساعدة غيره ممن في بداية الطريق، ويدخل غيره وتستمر دائرة العطاء دون توقف. آمين يتحقق الحلم.
المصري اليوم