أبطال آخرون وراء «حالة خاصة».. 4 قصص ملهمة لـ «ذوى التوحد»..الأمهات سر النجاح
سنابل الأمل .. وكالات
أثارت حلقات مسلسل «حالة خاصة» ردود فعل واسعة . ومرجع هذا النجاح أنه من جانب، جاء كتذكرة قوية بقضايا المتعايشين مع «الأوتيزم» أو التوحد. ذلك الاضطراب الذى يولد به بعض الأطفال، ليحد من قدرتهم على التواصل مع المجتمع وفرص التعلم والعمل والزواج أسوة بأقرانهم.
ولكن بطل العمل، «نديم» الذى يلعب دوره الفنان الشاب طه دسوقى، جاء متحققا إلى حد كبير، قادرا على العمل والتواصل والنجاح فى حل القضايا، والحب. ما دفع كثيرين للتساؤل، هل «نديم» حالة نادرة، أم أن هناك
غيره. ليتضح أن هناك غيره، أبطال تغلبوا على عوائق «التوحد» ليلهموا طه دسوقى نفسه ويلهموا غيره أيضا كما يتضح من أربع قصص لذوى التوحد» كان سر تفوقهم فى صبر وتضحيات الأمهات.
وفى « حالة خاصة» أيضا، كان التذكير ببطل أخر، وهو موسيقى صادقة مبدعة صدحت خلال الثمانينيات المصرية، تراجع ذكراها، لتعود موسيقى فرقة «المصريين» بقوة من قلب الحلقات. فتروى الفنانة منى عزيز كيف كانت الرحلة الثرية لهذه الفرقة وكيف تحلم بعودة لموسيقاها.
هل يمكن أن يتكرر نموذج « نديم أحمد أبو سريع»، بطل حلقات «حالة خاصة»، الشاب الـ «مش عادى» على حد تعبيره، الذى لم تمنعه سمات «التوحد» من الاعتماد على نفسه وإجادة توظيف مواهبه؟ الإجابة القصيرة: ممكن. والإجابة المفصلة تؤكد أن بلوغ هذا الهدف يحتاج كثيرا من الصبر والعمل الجاد، كما تكشف أربع تجارب لشباب من ذوى اضطراب طيف التوحد، استطاعوا بفضل جهود أسرهم ومراكز التأهيل، أن يصلوا لمرحلة العمل والإنتاج والاعتماد الكامل على الذات، بل وأن يكونوا مصادر إلهام لأبطال مسلسل «حالة خاصة». أربعة شباب يمكنهم اليوم التواجد فى بيئات عمل مرحبة بهم لكفاءتهم المهنية فى المقام الأول، وليس مجرد تعاطف مع حالتهم.أربع تجارب ملهمة لبطل «حالة خاصة».. جاءت قصتهم كالتالى:
مونتير ومهندس كمبيوتر
عبد الله أشرف (22 سنة) طالب بالسنة النهائية ببرنامج نظم معلومات الأعمال، بكلية التجارة وإدارة الأعمال، جامعة حلوان . تحكى والدته رضوى نبيل عن التحديات التى واجهها عبد الله، حيث عانى من تأخر فى الكلام حتى سن أربعة أعوام . وبعد تشخيص حالته بوجود سمات بسيطة من التوحد، حرصت على إلحاقه ببرامج التأهيل لذوى «الأوتيزم»، والتى ساعدته على الالتحاق بالمدرسة وبرامج الشهادات المعادلة ليتضح نبوغه فى الرياضيات. وخلال الدراسة وجد شغفه فى تصميم الألعاب الإلكترونية وسرد القصص المصورة.
تحكى والدة عبد الله : « سعى ابنى بشكل مستمر للتجربة والاضطلاع بأفكار جديدة، حيث قام فى إحدى المرات بإعادة تدوير إطارات السيارات المستعملة وتحويلها لمقاعد وقطع أثاث، كما قام بتسويق هذه المنتجات وبيعها. وبرغم كل هذه النجاحات عانى عبد الله من الوحدة وعدم وجود أصدقاء، لصعوبة التواصل وضعف الثقة بالنفس، لذلك حرصت على أن يعمل كمدرب مساعد فى (الجمعية المصرية للأوتيزم)، لمساعدة أطفال التوحد على حل الواجبات وفهم الدروس».
من جانبه، يقول عبد الله إن تلك التجربة ساعدته على تكوين صداقات مع مدربى الأوتيزم، وخلال الإعداد لمسلسل «حالة خاصة»، استعان به صناع العمل وطلبوا منه التواجد خلال أيام التصوير، للتحدث مع الممثل طه دسوقى، وشرح انفعالاته ولغة جسده فى مواجهة المواقف، التى يواجهها البطل فى المسلسل، من أبرزها التعبير عن الحب لفتاة، شعوره بالتوتر، اللزمات والعادات اليومية مثل فرك أصابعه أثناء التفكير، والصراحة المفرطة، عدم الارتياح إزاء اللمس، الاستماع للموسيقى باستمرار.
كل تلك التفاصيل البسيطة استقاها طه دسوقى من ملاحظات وانفعالات عبد الله أشرف، وترجمها خلال مشاهد المسلسل ليجسد بصدق مشاعر شاب من ذوى التوحد.
يبتسم عبد الله فى ختام الحديث، مؤكدا أن مشاركته لفريق عمل المسلسل أتاحت له فرصة التعرف على عالم الفن، وأن يكون له صداقات من الممثلين كما حمسه هذا الأمر لتعلم فن التمثيل. إضافة لذلك أتيح لعبد الله التدريب على المونتاج بالشركة التى عرضت المسلسل، حيث قام بإعادة مونتاج إعلان فيلم «الفيل الأزرق» بشكل بالغ الاحتراف، لدرجة أن الشركة عرضت عليه العمل كمونتير.
موظف إدارى بالجامعة
على محمد (30 سنة) موظف إدارى بـ «جامعة الجلالة»، وخريج كلية الإعلام بـ «الجامعة الكندية»، ويجيد اللغتين العربية والإنجليزية، والكتابة على الكمبيوتر، وصيانة هواتف المحمول. قبل العمل بالجامعة، أتيحت لعلى فرص العمل بأحد المطاعم الشهيرة، وفى إدارة المبيعات، بإحدى شركات العقارات. يدرك أن التعامل مع الناس من الأمور بالغة الصعوبة، إلا أنه تجاوز هذا التحدى بمرور الوقت، وحاليا يسعى على للزواج.
تقول والدته داليا الأمين، والتى تعمل كملحق إدارى بالقنصلية المصرية بالمملكة المتحدة، إنها عانت لسنوات نظرا لقلة الوعى المجتمعى وندرة فرص التأهيل لأطفال التوحد، واضطرت أن تتفرغ تماما لرعاية ابنها خلال سنوات الطفولة، قبل أن تعود مجددا لعملها.
تقول داليا: «من أكبر المشكلات التى واجهتنا أن نظام التعليم ما قبل الجامعى غير مرن فى قبول ودمج أطفال ومراهقى التوحد، خاصة إذا كانت لديهم صعوبات فى بعض المواد مثل العلوم أو الرياضيات. وهو ما اضطرنى لتحويله للشهادات المعادلة والتى مكنته من التعلم وتحسن مستواه المعرفى والالتحاق بالجامعة».
شيف مخبوزات
بلغة إنجليزية متقنة، تحدث الشيف رامى زيدان (28 عاما) عن خبراته العملية. كان من المفترض أن يستقر به الحال فى كندا بعد حصوله على شهادة فى فنون الطهى والمخبوزات من «جامعة جورج براون» عام 2022، إضافة إلى تدربه بإحدى مدارس الطهى بفرنسا. لكن لم يجد أى فرصة عمل مناسبة، وما إن عاد إلى مصر، حتى رحبت به إحدى شركات تنظيم الحفلات وإعداد المأكولات لخبرته الاحترافية فى مجال المخبوزات.
يحكى رامى أنه عقب عودته إلى مصر، بادر بترك منزل الأسرة، وتأجير مسكن مجاور لمقر عمله. كما بدأ تدريجيا فى اكتساب صداقات مع زملائه. يرى رامى أن كل شخص من ذوى التوحد يمكنه أن يكون مثله أو أفضل، إذا ما اهتم بالتعليم والتدريب المستمر.
تقول والدته سارة خلاف، إن أكثر ما شجعها على العودة بابنها إلى مصر، هو الترحيب بابنها نظرا لكفاءته فى العمل، واستعداد مكان العمل على تقبل ذوى اضطراب التوحد، على عكس الأوضاع فى كندا والتى تعد من بيئات العمل شديدة التنافسية.
مصمم جرافيكس ومشروع ممثل
أحمد سعفان (29 عاما) متدرب بإحدى الشركات فى تصميم الجرافيكس، ورياضى سبق له المشاركة فى العديد من المسابقات فى مجال السباحة، كما حصل العام الماضى على المركز الرابع فى إحدى البطولات الدولية للفروسية.
خلال الحديث معه، حرص على إلقاء النكات، قبل أن يشير إلى تعلمه حاليا فن التمثيل لإعجابه بهذه المهنة والتى تعرف عليها خلال مشاركته فى أحد مشاهد مسلسل «حالة خاصة». أما عن شغفه بتصميم «الجرافيكس»، فتقول والدته منى شبكه إن هذه الهواية بدأت من سن مبكرة، خلال مراحل التأهيل والدمج فى التعليم المدرسى، حيث حرصت على دعم هوايته، بجانب الدراسة مما مكنه من الحصول على فرص عديدة مثل تصميم قوائم الوجبات للمطاعم، وتصميم فيديو جرافيكس للمتحف المصرى الكبير، وفيديو لمحطة مترو مصر الجديدة.
ويكشف أحمد عن أنه يحمل رخصة قيادة، ويمكنه القيادة والتعامل مع مفاجأت الشارع المعتادة.
التأهيل المهني وسوق العمل
تقول د. داليا سليمان، رئيس «الجمعية المصرية للأوتيزم»، أحد أقدم وأهم الجمعيات المتخصصة فى المجال، إن « حالة خاصة» ساهم بشكل كبير فى التوعية بقضية الشباب من ذوى التوحد، وحقهم فى العمل والاندماج بالمجتمع.
وتضيف: «تلك الشريحة العمرية بدأنا ننتبه لها مؤخرا، فكل المراكز المتخصصة فى مصر تعمل على شريحة الأطفال وسبل تأهيلهم ودمجهم بالتعليم، ولا تلتفت لمشاكل المراهقين والشباب وأحلامهم فى العمل والارتباط العاطفى وتحقيق علاقات اجتماعية. ويجب توضيح أن بلوغ المرحلة التى ظهر عليها شخصية (نديم) في( حالة خاصة) كشخص مستقل قادر على التعامل مع المجتمع، تستدعى أعواما من التأهيل تتعاون عليه الأسرة والمراكز المتخصصة».
وتكمل موضحة : «هذا العمل المتواصل، والذى لا يقل عن 40 ساعة أسبوعيا بخلاف المتابعة بالمنزل، يتطلب تضحيات كثيرة من الأسرة وخاصة الأمهات اللاتى يتفرغن فى أغلب الحالات لطفلهن. فأكثر ما يشغل الوالدين هو مستقبل ابنهم وكيف يمكنه العمل والتكسب والاعتماد على ذاته، خاصة وأنه لا توجد جهة على مستوى الدولة للرعاية مدى الحياة للحالات المتأخرة من ذوى اضطراب التوحد».
وتوضح د. داليا أن الشاب الذى يعانى من التوحد وحاصل على مؤهل جامعى وقادر على العمل والتواصل مع المجتمع هو فى الغالب يعانى من درجة طفيفة من التوحد، وتم اكتشاف إصابته وتأهيله من سن مبكرة.
وأن تلك الفئة لا تمثل الأغلبية من مرضى التوحد، فهناك طيف واسع من درجات الإصابة، ومنهم من لم يتحقق النجاح فى دمجهم سواء فى التعليم العام أو الشهادات المعادلة. وحتى لا ينعزلوا وتسوء حالتهم، قامت د. داليا منذ عام بإطلاق برنامج «»Impact للتأهيل المهنى للشباب فوق 16 سنة من ذوى اضطراب التوحد بالتعاون مع أحد البنوك الخاصة. فيتم إعداد ورش مجانية للتدريب على مهارات متنوعة وفقا لميول وقدرات الشباب، أملا فى أن يمتلك هؤلاء الشباب مهارة وأصدقاء وروتينا يوميا وبيئة مؤمنة بهم.
وخلال الشهور الماضية أتاح البرنامج فرص تدريب وعمل فى المطاعم والشركات، إلى جانب توعية العاملين بجهات العمل تلك لجعل أماكن العمل مرحبة وحاضنة للعاملين من ذوى اضطراب التوحد. وحاليا تم فتح أبواب الالتحاق بالدورة الثانية للورش المجانية، ويمكن للأسر التواصل عبر البريد الإلكترونى:
autismegypt@yahoo.com .