سنابل الأمل/ خاص
بقلم الدكتور عثمان بن عبدالعزيز آل عثمان
هل شعرتِ يومًا أن ابتسامةً ما تُربك قلبكِ بلا سببٍ ظاهر؟ أن كلمات الإطراء التي تُقال لكِ بعذوبةٍ تخفي في طياتها ظلَّ ريبة؟ قد لا يكون ذلك من نسج الخيال، بل نذيرًا خفيًّا بوجود “المرأة الماكرة”، تلك التي تتقن ارتداء الأقنعة، فتلقي عليكِ دفءَ حنانٍ يُخفي بين ثناياه سمًّا يتسلل إلى روحكِ بصمتٍ ماكر.
هي لا تُعلن حربها، بل تُشعلها بابتسامة. تُربككِ بكلمةٍ حلوة، وتُنهككِ بنصيحةٍ ظاهرها النصح، وباطنها التثبيط. تهديكِ عباراتٍ مغموسةً بالعسل، لكنها تُخلّف في قلبكِ مرارةً لا تُذْهَب. ليست صديقةً تُؤتمن، ولا غريبةً تُحمد، بل شخصيةٌ تُتقن التلوّن، تُربك محيطها العاطفي بسُمٍّ مُرقَّصٍ بين الكلمات.
تُشعِركِ دائمًا بأنها الضحية البريئة، بينما تُصوِّر الآخرين كظالمين لا يُوفونها حقها. تُحيل الحديث البريء إلى شظايا تُثير الغيرة، وتنقل الكلام لا لتُصلح، بل لتُفسد. تستدرجكِ بلغة الحب، وتُرهقكِ بإلقاء اللوم، حتى تُصبح مشاعركِ رهينةً لتقلباتها. وكما قيل:
> *وكم من صديقٍ ظاهرٍ لكَ ناصحٌ*
> *وفي باطنِ القلبِ الحسامُ المجرَّدُ*
وتُذكّرنا هذه الشخصية بذوي الوجوه المتعددة، الذين حذّر منهم الإسلام و حكماء العرب:
> *”ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهًا
> *”احذر عدوك مرة، واحذر صديقك ألف مرة، فإن انقلب الصديق فهو أعلم بالمضرة.”*
فالعدو يطعنك صراحةً، أما السامّة، فطعنتها تخرج من خلف قناع الودّ، كخنجرٍ مُغلفٍ بالحرير.
هذه المرأة، بما تبثّه من سمومٍ خفية، تُحمِّل نفسها وزرًا ثقيلًا. وقد جاء الوعيد الإلهي صريحًا:
﴿وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [الحجرات: 12].
فكل همسةٍ تُفسد صفاء القلوب، وكل غيبةٍ تُسقط المروءات، تُسجَّل في صحيفتها السوداء، وتُواجه يومًا بميزان العدل.
لكن باب التوبة مفتوحٌ لمن أرادت أن تُعيد حسابها:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ [الزمر: 53].
فالتوبة النصوح تُطهّر القلب، وتردُّ الحقوق، وتُعيد للودّ جوهره النقي.
لا تنخدعي ببريق الكلمات المُزيّفة، فالنقاء لا يحتاج إلى تلوين. لا تسمحي لمن يلوح بقناع الوداعة أن يسرق صفاءكِ، ولا تتركي قلبكِ لقادمٍ يحمل في يده وردةً، وفي الأخرى شفرةً. فالحياة أقصر من أن تُهدرها مع مَن يُعكّر صفو روحكِ بدل أن يُصفّيه، ومع مَن يُطفئ شمعتكَ بدل أن يُضيئها.
احمي قلبكِ بحكمة العقل، وقرّبي مَن يُثري وجودكِ كالمطر يُحيي الأرض، لا مَن يُذبل زهوركِ كالريح الجافة. كوني كالنبع الصافي: تُعطي بلا شرط، تُحب بلا خداع، واختاري صحبة كما تختارين الياقوتة من بين الحصى.
فليس كل ابتعادٍ جبنًا… بل خطوةٌ نحو فجرٍ جديد، تُشرق فيه شمس نفسكِ دون سحبٍ تُحجبها.
النفوس الطيبة كالشجر الوارف، تُظلّل مَن يستظل بها، وتُثمر عطاءً لا ينضب.