العمى النهري: وباء صامت يهدد البصر والحياة

0 5

سنابل الأمل / متابعات

يُعد “العمى النهري”، المعروف طبيًا بـ داء كلابية الذنب (Onchocerciasis)، أحد الأمراض المدارية المهملة التي تُشكل تهديدًا صحيًا خطيرًا، خاصة في المجتمعات الريفية الفقيرة بالقرب من الأنهار سريعة الجريان. هذا المرض الطفيلي، الذي ينتقل عبر لدغات متكررة من الذباب الأسود المصاب، يُعرف بتأثيره المدمر على العينين والجلد، مما يؤدي في كثير من الحالات إلى فقدان البصر الدائم.

 

ما هو العمى النهري؟

ينجم العمى النهري عن الإصابة بدودة طفيلية تُسمى Onchocerca volvulus. تتكاثر هذه الديدان داخل جسم الإنسان وتنتج يرقات دقيقة (ميكروفيلاريات) تهاجر إلى مختلف أنسجة الجسم، بما في ذلك الجلد والعينان. تحدث العدوى عندما يلدغ الذباب الأسود، الذي يتكاثر في الأنهار والجداول سريعة التدفق، شخصًا مصابًا، ثم ينقل هذه اليرقات إلى شخص آخر غير مصاب. يعيش الذباب الأسود غالبًا في المناطق الزراعية الخصبة، مما يعرض السكان الذين يعتمدون على الزراعة لخطر الإصابة بشكل كبير.

 

الأعراض والمضاعفات

تظهر أعراض العمى النهري بشكل أساسي نتيجة استجابة الجهاز المناعي لليرقات الدقيقة الميتة أو المحتضرة في الأنسجة. يمكن أن تتراوح الأعراض من خفيفة إلى شديدة، وتؤثر بشكل خاص على:

 

 ● الجلد:

    الحكة الشديدة: تُعد من أولى وأكثر الأعراض شيوعًا، وقد تؤدي إلى خدش الجلد وتلفه والتهابات ثانوية.

  •     التهاب الجلد: قد يتطور التهاب جلدي مزمن يتميز بجلد سميك ومتقشر ومتغير اللون، يُعرف أحيانًا بـ “جلد السحلية” أو “جلد النمر” في المناطق المصابة بفقدان التصبغ.
  •     العقيدات تحت الجلد: تتكون كتل تحتوي على الديدان البالغة تحت الجلد، غالبًا بالقرب من المفاصل أو النتوءات العظمية.

 ● العيون:

  •     تُعد الآفات العينية هي التي منحت المرض اسمه الشائع “العمى النهري”.
  • تهاجر الميكروفيلاريات إلى العين، مما يسبب التهابًا وأضرارًا تدريجية.
  •     التهاب القرنية: يمكن أن يؤدي إلى التهاب القرنية النقطي، والذي يتطور إلى التهاب القرنية المتصلب وفي النهاية يؤدي إلى العمى إذا لم يُعالج.
  •     التهاب القزحية والجسم الهدبي: قد تُصاب الأجزاء الداخلية للعين بالالتهاب.
  •     ضمور العصب البصري واعتلال الشبكية والمشيمية: يمكن أن تؤدي هذه المضاعفات إلى فقدان البصر بشكل دائم وغير قابل للعلاج.
  • يمكن أن تؤدي العدوى المزمنة وغير المعالجة إلى تشوهات جلدية وإعاقة بصرية خطيرة، مما يؤثر سلبًا على نوعية حياة المرضى وقدرتهم على العمل والإنتاج.
  • العلاج والوقاية
  • على الرغم من خطورة المرض، إلا أن هناك أمل في مكافحته والقضاء عليه.

العلاج:

  •     يُعتبر دواء إيفرمكتين (Ivermectin) العلاج الأساسي للعمى النهري. يقتل هذا الدواء الميكروفيلاريات ويُقلل من إنتاجها بواسطة الديدان البالغة. لا يقضي إيفرمكتين على الديدان البالغة نفسها، ولذلك يتطلب العلاج جرعات منتظمة (مرة أو مرتين في السنة) لمدة تتراوح بين 10 إلى 15 عامًا، وهي مدة حياة الديدان البالغة.
  •     في بعض الحالات، يمكن استخدام المضاد الحيوي دوكسيسايكلين (Doxycycline)، الذي يقتل البكتيريا التكافلية التي تعيش داخل الديدان وتُعد ضرورية لبقائها، مما يؤدي إلى موت الديدان البالغة أو تقليل خصوبتها.

 ● الوقاية:

    تجنب لدغات الذباب الأسود: هي الطريقة الأكثر فعالية للوقاية من المرض.

      ارتداء الملابس الواقية: مثل الأكمام الطويلة والسراويل الطويلة، ويفضل أن تكون معالجة بمبيدات الحشرات مثل البيرمثرين (Permethrin).

  •       استخدام طارد الحشرات: الذي يحتوي على مادة الديت (DEET).
  •       تجنب المناطق التي يتكاثر فيها الذباب الأسود، خاصة في أوقات الذروة لنشاطه.
  •     برامج العلاج الجماعي بالأدوية (Mass Drug Administration – MDA): تُعد استراتيجية رئيسية في المناطق الموبوءة. تُقدم فيها جرعات إيفرمكتين لجميع السكان المعرضين للخطر بشكل منتظم، بهدف كسر دورة انتقال المرض والقضاء عليه على المدى الطويل.

 

الجهود العالمية والمستقبل

تبذل المنظمات الصحية العالمية، مثل منظمة الصحة العالمية، جهودًا كبيرة لمكافحة العمى النهري والقضاء عليه بحلول عام 2030 في عدد من البلدان. وقد أظهرت هذه البرامج نتائج واعدة في تقليل معدلات الإصابة والعمى.

في الختام، يظل العمى النهري تحديًا صحيًا كبيرًا، لكن مع الاستمرار في برامج العلاج الوقائي، وتحسين الوعي، واتخاذ التدابير الوقائية الفردية، يمكننا المضي قدمًا نحو عالم خالٍ من هذا الوباء المدمر.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق