بإيمانها صنعت المعجزات… نسيمة السادة تقود ابنيها من تحدي الصم للجامعة
سنابل الأمل / متابعات
نجحت الكاتبة نسيمة السادة في تحويل التحديات الجسيمة التي واجهتها مع ابنيها، المصابين بضعف سمع شديد منذ الولادة، إلى قصة نجاح تكللت بوصولهما إلى المرحلة الجامعية، أحدهما يدرس الماجستير في جامعة الملك عبد العزيز والاخر يدرس في كلية الحاسب جامعة الامير سلطان. في رحلة ملهمة تجسد أسمى معاني الأمومة والإصرار.
وروت السادة تفاصيل تجربتها الطويلة، التي بدأت بوضعها النفسي وادارة مشاعرها كأم، حيث تعرضت لصدمة عنيفة عند تشخيص طفليها، مرورًا بمرحلة الرفض وعدم التصديق، وصولًا إلى مرحلة التقبّل ثم الحيرة بسبب غياب الخبرة والمصادر الإرشادية التي يمكن أن تعينها على التعامل مع وضعهما. لكنها سرعان ما استجمعت قواها، وقررت أن تستنهض طاقة الأمومة الكامنة بداخلها لتكون هي الداعم الأول والمرشد الأساسي في حياتهما.
وأوضحت السادة أن الصعوبات لم تقتصر على الجانب الصحي والأسري، بل امتدت لتشمل البيئة المدرسية والمجتمعية. فقد واجه ابناها تحديات تعليمية كبيرة خلال فترة دراستهما، وعانت كثيرا من تقبل المعلمين والمعلمات وضعهما الصحي ومتطلباتهما الخاصة للتعلم، مما جعلنا كأسرة نبذل جهدا مضاعفا في تعليمهما وعدم التعويل على المدرسة.
وزاد من تعقيد الأمر شعورهما بالضياع بين عالمين، فهما ليسا من الصم كليًا ليعرفا لغة الإشارة، وليسا من السامعين بشكل كامل، مما صعّب عليهما تكوين الصداقات والاندماج.
وكان النظام التعليمي، بحسب السادة، أحد أكبر العقبات، حيث افتقرت المدارس للوعي الكافي للتعامل مع حالتهما في ذلك الوقت، ولم يكن موضوع الدمج في المدارس مطروحا آن ذاك.
وتذكرت مواقف مؤلمة حين كان بعض المعلمين يصرخون في آذان أطفالها ظنًا منهم أن هذا يساعدهم على السمع، بينما كان الصوت المرتفع يسبب لهم إزعاجًا وخوفًا، ومن هم كان يرفض بذل أي جهد بدعوى أنه مسؤول عن 40 طالب ولا وقت لديه يخصصه لشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة. وان هذا ليس جزء من عمله.
كما واجهت تشكيكًا مستمرًا في قدرات ابنيها، لدرجة اتهامهما بأن والدتهما هي من تكتب لهما واجباتهما المدرسية، وهو ما أثر سلبًا على ثقتهما بأنفسهما وكاد أن يدمر مواهبهما، لو ما كانت مؤمنة بقدراتهما. مثل موهبة ابنتها في الكتابة.
لم تستسلم السادة أمام هذه التحديات، بل قررت أن تأخذ زمام المبادرة. وأكدت أن الأسرة هي المعول الأول والأخير في تنمية قدرات الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وشددت على أهمية تخصيص ”وقت نوعي“ يومي للطفل، بعيدًا عن بقية إخوته، للتركيز على تمارين النطق وتنمية المهارات اللغوية.
وابتكرت أساليب تعليمية متنوعة معتمدة على الألعاب التعليمية، والرمل، والقصص، والفيديوهات، لتوصيل الحروف والمفردات بطرق شيقة، مدركة أن لكل طفل أسلوبه المفضل في التعلم.
وحرصت على استخدام التقنيات المساعدة، مثل الميكروفونات الإضافية لزيادة وضوح الصوت، والتأكيد على ضرورة قراءة الشفاه لتمييز الحروف المتشابهة في النطق.
وبينت أن جهودها لم تكن تهدف فقط لتعليم طفليها، بل امتدت لتوعية المعلمين والأهل والمجتمع المحيط بكيفية التعامل الصحيح مع ضعاف السمع.
وتكللت جهود السادة بنجاح فاق كل التوقعات. فابنتها ”علوية“، التي لم يكن يتوقع لها الأطباء أن تتكلم بسبب شدة ضعف السمع، لم تتخرج من الثانوية العامة بمعدل ممتاز فحسب، بل حصلت على بعثة دراسية إلى جامعة غالوديت في واشنطن، وهي أقدم وأعرق جامعة متخصصة في تعليم الصم وضعاف السمع في العالم. والان تكمل الماجستير في جامعة الملك عبد العزيز.
ولم تكتفِ بذلك، بل قامت بتأليف قصة موجهة للأطفال بثلاث لغات ”العربية والإنجليزية ولغة الإشارة“، بهدف نشر الوعي حول الأطفال الذين يستخدمون السماعات الطبية وتعزيز تقبلهم في المجتمع.
أما ابنها ”مصطفى“، الذي اكتُشفت حالته مبكرًا وتم تركيب السماعة له في عمر ثمانية أشهر، فقد التحق بجامعة الأمير سلطان لدراسة علوم الحاسب، حيث وجد بيئة أكاديمية متفهمة ومتعاونة، مما ساعده على تجاوز العقبات ومواصلة مسيرته التعليمية بنجاح.
وتؤكد السادة على أهمية المتابعة الطبية للحصول على افضل الفرص، فقد تغيرت حياة ابنيها بعدما تم زراعة القوقعة لهما.
وأكدت السادة على أن استثمارها الحقيقي والأثمن في الحياة هو نجاحها في تربية أبنائها، وأن الفرحة بإنجازاتهم مضاعفة لأنها ثمرة تعب وجهد استثنائيين.
ووجهت رسالة لكل عائلة لديها طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، قائلة إن إيمان الأهل بقدرات طفلهم هو المصدر الأول لقوته وثقته بنفسه، وهو ما سيجبر المجتمع بأسره على الإيمان به في نهاية المطاف. مشددة على حاجة الآباء والأمهات أنفسهم إلى الدعم النفسي لمواصلة مسيرتهم الطويلة والشاقة.
جهينة