سنابل الأمل / متابعات
في اليوم العالمي لذوي الإعاقة، الموافق 3 ديسمبر من كل عام، يفضل الخطاب الرسمي في مصر أن يروي قصته الوردية عن الدمج والتمكين وفتح أسواق العمل لهذه الفئة، إلا أن و بالنظر للوهلة الاولي الي قانون العمل الجديد 14 لسنة 2025 و الذي منح مزايا لذوي الاعاقة من زيادة في عدد ايام الاجازات مدفوعة الاجر لتصل الي 45 يوما و خفض ساعات العمل ساعة يوميا مدفوعة الاجر ايضا كما منح خيار العمل المرن او عن بعد لهم الا اننا نكتشف ان هناك غياب لقضايا التشغيل و الحماية و ان الواقع علي الأرض مختلف تمام فقد سلب هذا القانون الجديد ذوي الاعاقة و الذي دخل حيز التنفيذ في الأول من سبتمبر الماضي اهم الية لضمان الدمج و هي النسبة الإلزامية للتشغيل و التي كان يلزم بها الشركات و المنشآت التي تزيد عدد العمال بها عن 20 عامل بتعيين 5% من ذوي الإعاقة وهوما كان ينص عليه قانون العمل السابق 12 لسنة 2003 و برغم ان قانون ذوي الإعاقة رقم 10 لسنة 2018 نص علي تلك النسبة إلا أن الجهة الإدارية المشرفة علي تنفيذ هذا القانون هي وزارة التضامن و ليس وزارة العمل الذي يحكم العلاقة بين العمل و صاحب العمل و تختص المحاكم العمالية بالبت في نزاعاته هذا و قد اكتفي قانون العمل الجديد بعبارات عامة عن المساواة دون ادوات للتنفيذ او دون عقوبات او دون أليات متابعة
وضع ذوي الهمم في سوق العمل
تشير كل البيانات وبرغم صعوبة الحصول عليها الا بشق الانفس الي الوضع الهش لذويي الإعاقة في سوق العمل حيث يمثل ذويي الإعاقة 12 مليون بنسبة 15% من جملة السكان وتبلغ نسبة العاملين من تلك النسبة 44 % منهم 17% من السيدات وهو ما يعكس حجم الاستبعاد الفعلي و الوضع الهش في سوق العمل و خاصة سوق العمل المنظم و يلتهم السوق الغير منظم الغالبية العظمي من عمالة ذوي الهمم والتي تعمل دون حماية حقيقة باجور متدنية و بدون ـامين اجتماعي وتامين صحي ناهيك عن بيئة العمل والسلامة و الصحة المهنية التي تتعلق بتلك الفئة ,
ورغم ان القانون الجديد ذكر الاشخاص ذوي الاعاقة ضمن الفئات العمالية التي يجوز تدريبها في اطار برامج التدريب المهني الا ان هذا الذكر جاء عاما و مجردا من اي التزام واضح او ألية تنفيذ فلم يربط بين حق التشغيل وحق التأهيل و لم يلزم وزارة العمل او اصحاب الاعمال بتوفير برامج تدريب متخصصة تتناسب مع طبيعة الاعاقة او مع احتياجات السوق و هذا علي عكس ما ورد في قانون 10 لسنة 2018 الذي كان اكثر وضوحا في مادته رقم (21) و التي نصت علي التزام الدولة بتوفير التدريب و التأهيل المناسبين للأشخاص ذوي الاعاقة و كذلك في مادته رقم ( 23) التي اكدت علي التنسيق بين بين الوزرات لضمان هذا الحق ليظهر الاشخاص ذوي الاعاقة في قانون العمل كفئة يمكن تدريبها دون ان يجعل التدريب كجزء من الدمج والتشغيل ان يضع اطارا الزاميا و رغم ان قانون الإعاقة رقم 10 لسنة 2018 نص علي انشاء قاعدة بيانات للذوي الإعاقة للتأهيل التعاون و التدريب بين وزرات العمل والتضامن و التعليم الفني لتوفير فرص تدريب ملائمة الا ان هذا لم يحدث علي ارض الواقع و لم نتبينه في القانون الجديد للعمل ,فغياب قاعدة بيانات لذوي الإعاقة حتي الان جعل من مسار الدمج منقوصا نتيجة الانفصال و الفجوة بين السياسات مما ادي الي:-
أولا – ان القانون العمل الجديد جاء اضعف من القانون السابق في حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة و أقل التزاما بالاتفاقيات الدولية ومنها الاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة التي صدرت عام 2006 من الأمم المتحدة وصدقت عليها مصر عام 2008 و تنص تلك المعاهدة في مادتها رقم (27) علي “حق الأشخاص ذوي الإعاقة في العمل علي قدم المساواة مع الاخرين بما يشمل حقهم في اختيار عمل حر او مقبول في سوق عمل مفتوح ميسر و في بيئة عمل عادلة و أمنة ” و اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم (159) سنة 1983 و التي نصت مادتها (4) علي ان ” تحترم المساواة في الفرص و المعاملة بين العمال الموقين و العمال عموما و لا تعتبر التدابير الإيجابية الخاصة التي تستهدف المساواة الفعلية بمثابة تدابير تمييزية “
ثانيا – ان أغلب أصحاب الاعمال في مصر لا يمتثلون لمبدأ الدمج بل ويعدون الأكثر تهربا من الالتزام بأي نسب تشغيل لن العقوبات في القوانين السابقة ضعيفة و غير مفعلة مما ادي الي وقوع غالبية ذويي الإعاقة فريسة للقطاع الغير الرسمي او البطالة
ثالثا :- غياب النشاط النقابي للمعاقين من خلال عدم استحداث لجنة نوعية لذوي الاعاقة علي غرار اللجان النوعية الأخرى عمق من تهميشهم و تهميش أصواتهم في المطالبة بحقوقهم و صعب من عملية و مسار الدمج
بيئة العمل و السلامة و الصحة المهنية
بالنظر الي توفير بيئة عمل امنة و اجراءات السلامة والصحة المهنتين التي خصص لها قانون العمل الجديد بابا فقد اكتفي القانون بالنصوص العامة التي تلزم صاحب العمل باتخاذ التدابير الوقاية و الحماية من مخاطر العمل دون الاشارة الي الترتيبات التيسيرية او التهيئة اللازمة للعامل ذوي الاعاقة فلم تربط مواد ذلك الباب بين تدابير السلامة و احتياجات ذوي الاعاقة او يلزم صاحب العمل بتعديل بيئة العمل وتوفير الادوات المساعدة و المسارات و الطرق المناسبة في المقابل يقدم قانون 10 لسنة 2018 حماية اكثر تقدما في هذا المجال فقد نصت مادته (20) صراحة علي التزام جميع الجهات الحكومية و غير الحكومية التي تشغل اشخاصا من ذوي الاعاقة علي باتخاذ التدابير التيسيرية المعقولة التي تتيح لهم اداء عملهم علي قدم المساواة مع الاخرين وهي صياغة تجاوزت ما ورد في قانون العمل الجديد بكثير لانها احتوت علي الزام لصاحب العمل بتعديل بيئة العمل كما ايضا نصت المادة (3) علي التزام الدولة علي تهيئة البيئة و البنية التحتية بما يسمح اشخاص ذوي الاعاقة بالتحرك و (العمل ) و الحصول علي الخدمات العامة دون عوائق و في المادة (8) من اللائحة التنفيذية من قانون ذويي الاعاقة اكدت الحكومة علي ضرورة تهيئة اماكن العمل و ازالة العوائق المادية وتفوير المعدات المناسبة في مواقع العمل
في النهاية, يكشف الاطار التشريعي و الواقع العملي للأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل ان الفجوة لا تكمن في النصوص فقط بل في ضعف اليات التنفيذ و المتابعة و غياب الإرادة السياسية الجادة نحو الدمج الاقتصادي الحقيقي لذويي الإعاقة في اليوم العالمي لذويي الإعاقة تستمر معدلات البطالة لهم في مصر عالية و ان السياسات الحكومية تميل الي التركيز علي الدعم النقدي و الرعاية الاجتماعية اكثر من التركيز و التشغيل و التأهيل المهني و انه يجب إعادة النظر و الرؤية أيضا في تلك السياسات انطلاقا من الدستور المصري و الاتفاقيات الدولية فلابد من الشروع نحو انشاء قاعدة بيانات قومية ومحدثة لذويي الإعاقة علي ان تشمل المؤهلات و نوع الإعاقة و السكن لتسهيل مؤامة فرص العمل و التأهيل المهني المناسب مع قدراتهم ويجب تطوير الية التنسيق بين الوزرات والهيئات المعنية تتولي المتابعة الدورية لملف المعاقين و اصدار تقارير معلنة عن نسب التشغيل الفعلية وتحدد أيضا الاحتياجات من برامج التدريب المهني لتكون مرتبطة باحتياجات سوق العمل وليس برامج موسمية او خيرية و اشراك أصحاب الاعمال في تصميم تلك البرامج كما يجب اعادة النظر في قانون العمل الجديد بتعديله لإعادة النص الصريح علي التزام أصحاب العمل بنسبة ال 5% مع تحديد عقوبات واضحة بعدم الالتزام بها و كذلك ما يخص بالسلامة و الصحة المهنية وتحديد ما يخص ذويي الإعاقة تحديدا واضحا لا لبس فيه كما يجب التشجيع علي انشاء لجان لذويي الإعاقة من اللجان النوعية بالنقابات العمالية و المهنية.
درب