تنقل المكفوفين على متن سيارات الأجرة .. إشكال الولوج والمسؤولية العمومية
سنابل الأمل / متابعات
أكد باحثون متخصصون في مجال الإعاقة وحقوق الإنسان أن “الأشخاص المكفوفين في المغرب يواجهون صعوبات كبيرة في الوصول إلى خدمات التنقل باستخدام سيارات الأجرة بشكل تلقائي”، مسجلين أن “هذه الوضعية تثير مسؤولية تقصيرية على عاتق وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، باعتبارها الجهة المسؤولة عن حماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة وضمان اندماجهم في المجتمع وممارسة كافة حقوقهم الأساسية”.
وأشار الباحثون أنفسهم إلى أن “هذه الصعوبات تتحمّل مسؤوليتها وزارة الداخلية أيضاً، لكونها تمثل عقبة كبيرة أمام تمكين المكفوفين من ممارسة حياتهم اليومية بحرية واستقلالية، وهو ما يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية”، موضحين أن “تحسين وصول المكفوفين إلى وسائل النقل العامة والخاصة يتطلب سياسات واضحة وإجراءات عملية، مثل توفير سيارات مجهزة أو تدريب السائقين على التعامل مع ذوي الإعاقة البصرية، بما يحقق الإنصاف والمساواة”.
مسؤولية تقصيرية
منير خير الله، باحث في مجال الإعاقة، طالب باحث سابقا في الإعاقة والتنمية الشاملة بجامعة ليدز بالمملكة المتحدة، قال إن “سائقي سيارات الأجرة يُمنح لهم ترخيص استثنائي، وهو ترخيص ثقة”، متسائلا: “هل يشمل احترام جميع الزبائن المحتملين في وجودهم، أم يشمل فقط فئة معينة من الزبائن؟ أي الزبون القادر على التعامل معه وفق نسق مقبول اجتماعياً، مثل الإشارة له أو الغمز بالعين”، ومعتبرا أن “هذه العملية تسببت في إقصاء فئة لا تمتلك هذه الإمكانية للتواصل البصري، الذي يعتبر المدخل الأساسي لهذه الثقة”.
كما تساءل خير الله في تصريحه لجريدة هسبريس: “كيف يمكننا فعلياً في المغرب وضع كود يسمح للأشخاص المعاقين بصرياً باستخدام سيارات الأجرة؟”، مبرزاً أن “استخدام شارات بصرية يضعها الكفيف أو يحملها يستند بدوره إلى كود الإعاقة البصرية نفسه، لأنه قد يحصل ألا يراك السائق، ولا يمكنك إثبات أنه رآك”، وتابع: “الشارة تعيد إنتاج نمط التواصل المحدود نفسه للأشخاص المعاقين، لأن التعاطي مع الوضع يعود إلى مسؤولية تقصيرية لوزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة”.
واقترح المتحدث النظر في بعض التجارب الأجنبية، مثل إيطاليا، “حيث توجد خدمة محلية إقليمية، ويمكن للشخص الكفيف الاتصال في أي وقت وتحديد الوجهة وتأتي السيارة دون أي تكلفة إضافية”، مضيفاً: “هناك أيضا تجربة شيكاغو، حيثُ توجد وسيلة نقل مخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة، يمكنك الاتصال بها لتأخذك إلى أي مكان تريد”، وزاد: “يمكننا في المغرب إحداث تطبيقات رقمية تخص تنقل الأشخاص المعاقين”.
وطالب الباحث ذاته الحكومة بتخصيص “دورات تدريبية لرفع وعي سائقي سيارات الأجرة، لأنه لا يوجد مستوى معرفي مؤهل لدى السائقين لفهم مشاكل الأشخاص ذوي الإعاقة”، معتبرا أن “العديد من الشكايات لا يتم التعامل بجدية معها من طرف مصالح وزارة الداخلية؛ وقد تقدم بها أشخاص ذوو إعاقة لإنهاء هذا الوضع التعسفي، سواء بالنسبة للمكفوفين أو مستخدمي الكراسي المتحركة”.
نحو تنسيق حكومي
عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، قال إن تسهيل تنقل الأشخاص في وضعية إعاقة عبر سيارات الأجرة “يندرج في إطار تفعيل اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي وقع عليها المغرب (في 2007 ودخلت حيز التنفيذ في 2008 وصادق عليها رسميا في 2009)”، منبها إلى أن “المادة 9 تدعو إلى توفير إمكانية الوصول إلى وسائل النقل من خلال لافتات واضحة وتدريب الجهات المعنية”.
وأشار الخضري، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، إلى أن “المادة 20 تؤكد على توفير أجهزة مساعدة للتنقل الشخصي، ما يقع على عاتق وزارة الداخلية ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة لتنفيذ هذه الالتزامات”، وتابع: “للتعرف السريع على هؤلاء الأشخاص يمكنهم حمل شارة ملونة، صفراء أو زرقاء مثلا، أو لوحة صغيرة مكتوب عليها ‘أحتاج تاكسي – إعاقة’ بلغات واضحة كالعربية أو الفرنسية، مع أيقونات بسيطة، وتوزعها الجمعيات مجاناً”.
كما اقترح الفاعل الحقوقي “نشر حملات تحسيسية عبر فيديوهات قصيرة على فيسبوك وتيك توك موجهة لسائقي التاكسي، توضح الإشارات المستعملة”، وبالإضافة إلى ذلك “يمكن استخدام تطبيقات افتراضية لتحديد طلبات المعنيين مع إشارات GPS خاصة، أو ربطها بتطبيقات جمعيات تعنى بحقوق هذه الفئات المجتمعية”، التي مازالت تواجه تحديات الولوج إلى مختلف الخدمات بالمغرب.
وطالب المتحدث بـ”تقوية التنسيق الحكومي عبر لجنة مشتركة بين وزارة الداخلية ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة والمؤسسات ذات الصلة التابعة لهما من جهة، ونقابة السائقين من جهة أخرى، لتدريبهم وتوزيع الشارات، مع عقوبات خفيفة للرفض غير المبرر”، موردا أن “هذا الإجراء من شأنه أن يسهل التعرف فورياً على طلبات الأشخاص المعاقين الخاصة لسيارة الأجرة وبتكلفة منخفضة، ويعزز الوعي ويقوي أواصر التضامن والأخوة بين المواطنين المغاربة”.
هسبريس