حملة في غزة لتمكين ذوي الإعاقة من مواقع صنع القرار
سنابل الأمل .. غزة
من الصعب تخيّل النتائج المذهلة التي حققتها مجموعة نشطاء عملوا بأسلوب علمي بالتعاون مع خبراء في العمل الجماعي. فقد نجحت حملة “بكرة أحلى” في قطاع غزة المحاصر بتمكين خمسين فلسطينياً لتبوّؤ مناصب قيادية في مجالس عمومية وهيئات إدارية وفي مواقع صنع القرار.
الأمر بدأ بكل بساطة من خلال إعلان لمؤسسة تعنى بالتدريب على القيام بحملات تعبئة وإدارة وتنظيم فرق من المتطوعين المتفقين على هدف اجتماعي. في هذه الحالة كان الهدف تمكين نساء ورجال من ذوي الإعاقة الوصول إلى مواقع صنع القرار في جمعيات خيرية تعمل للصالح العام. ولكن تلك المؤسسات، إجمالاً، لا تشمل أصحاب الشأن من ذوي الإعاقة.
من عمّان إلى غزة
حنين السماك شاركت في مساق تدريب أونلاين في وقت الجائحة تقدمه مؤسسة “أهل” للتنظيم المجتمعي التي تفتح أبواب التقدم له لكل النشطاء في البلاد العربية. مؤسسة “أهل” مقرها الأردن، ولكنها تعمل في فلسطين ولبنان ودول عربية أخرى.
نجحت حملة “بكرة أحلى” في غزة المحاصرة بتمكين خمسين فلسطينياً لتبوّؤ مناصب قيادية في مجالس عمومية وهيئات إدارية وفي مواقع صنع القرار في القطاع .
اختارت حنين هذا التدريب لأنها كانت ترغب بالاستفادة من خبرة مؤسسة تُعلم القيادة والتنظيم من خلال ممارسات التنظيم المجتمعي، فقررت أن تعمل على مشروع يكسر الحواجز، ومع أنها فكرت بأن تكون فكرة حملتها حول وضع المرأة في غزة فقد جعلتها خبرتها العملية والشخصية لأكثر من عشرين عاماً تقرر أن تخوض مجال تمكين ذوي الإعاقة ليس فقط من خلال دمجهم في المجتمع بل من خلال ضمان وجودهم في مواقع صنع القرار.
في عملية التدريب كان مطلوباً كتابة فكرة حملة ما، فقررت حنين أن تتجاوز فكرة دمج ذوي الإعاقة إلى هدف أكبر هو تمكينهم في المجتمع وضمان وجودهم في مواقع صنع القرار من خلال إيصالهم إلى عضوية جمعيات عمومية ومجالس إدارة.
تقول حنين إنها لم تشعر رغم عملها مع مؤسسة دولية خيرية في مجال دعم ذوي الإعاقة، بأنها صاحبة قرار، وعندما التحقت بدورة “أهل” اكتشفت موهبتها وقررت مشاركة آخرين في كل ما تعلمته من تكتيكات لصنع التغيير.
“بكرة أحلى”
يصل عدد ذوي الإعاقة في قطاع غزة إلى نحو 127 ألفاً، وهو رقم مرتفع سببه الأول الحروب الإسرائيلية المتتالية على القطاع.
اتفق الجميع على اسم “بكرة أحلى”. وانخرطت حنين في مجموعة من الفرق لمساعدة ذوي الإعاقة ودعمهم. فتم تشكيل فريق مؤسس من عشرة أشخاص ينسقون العمل في خمس فرق متوزعة جغرافياً. وكان الهدف ضمان وجود 50 شخصاً من ذوي الإعاقة في الجمعيات العمومية ومجالس الإدارة للجمعيات أو مؤسسات في غزة خلال عام.
يصل عدد ذوي الإعاقة في قطاع غزة إلى نحو 127 ألفاً، وهو رقم مرتفع سببه الأول الحروب الإسرائيلية المتتالية على القطاع
شاركت الفرق التي تم تشكيلها في خطوات الحملة من الطلب من المشاركين وضع استبيان يعكس بصورة علمية ودقيقة الواقع والاحتياجات لذوي الإعاقة. ثم تلت ذلك زيارات ميدانية لمؤسسات خيرية ولاحقاً بدأت عمليات التفاوض مع القائمين على تلك المؤسسات.
وقد استفاد المشاركون من معرفة الأنظمة الداخلية لتلك المؤسسات، والتي تسمح بانضمام أشخاص وفق شروط سهلة للجمعية العمومية لكون الإعاقة ليست سبباً في استثناء أي شخص. فقد تم إدخال العشرات من الأشخاص ذوي الإعاقة في الجمعيات العمومية على أساس تعرفهم على عمل المؤسسات. وفي الوقت المناسب يحصل الترشح لعضوية الهيئة الإدارية وتبوّؤ مناصب عليا.
نجاح المشروع
أصبحت سوسن الخليلي نائبة رئيس اتحاد مجلس إدارة مؤسسة بسمة للثقافة والفنون، وبات إبراهيم إرحيم، وهو محاسب يعاني من إعاقة حركية، عضواً في مؤسسة خاصة لذوي الإعاقة في مدينة غزة.
رغم أهمية النتائج الباهرة التي حققها مجموعة النشطاء في غزة، لم يكن العمل سهلاً، خاصة في البداية. كان من الضروري في كل مرحلة التدريب والتوعية والاستعداد لإمكانية الفشل الموقّت كي لا يشكل حالة من الإحباط إذا لم يتحقق الهدف في المرة الأولى من التجربة.
الهدف الأساسي في عملية التحشيد والتنظيم كما يوضح القائمون على مشروع “أهل” هو ضرورة أن يقوم أصحاب الشأن بقيادة العمل. إذ توفر مؤسسة “أهل” التدريب والتكتيكات المختلفة للتوعية والتغلب على الإشكاليات، ولكن الأساس هو أن قيادة المشروع تأتي من أصحاب الشأن، وفي الغالب تتم بصورة تطوعية من خلال اتباع أسس علمية بعيداً عن فكرة الـ”فزعة”.
أصبحت سوسن الخليلي نائبة رئيس اتحاد مجلس إدارة مؤسسة بسمة للثقافة والفنون، وبات إبراهيم إرحيم، وهو محاسب يعاني من إعاقة حركية، عضواً في مؤسسة خاصة لذوي الإعاقة في مدينة غزة لم تتوقف الحملة عند عضوية 50 شخصاً في الجمعيات، بل سعت لضمان مشاركتهم في مجالس الإدارة التي تمنحهم صلاحيات أوسع في تصميم البرامج وتنفيذها.
واحدة من قصص النجاح هي عضوية شخصين من حملة “بكره أحلى” في جمعية “الأصدقاء” برفح، ثم ارتقاؤهما حتى أصبحا عضوين في مجلس الإدارة التي مكنتهم من تنفيذ تدريبات ومؤتمرات تصب في خدمة حملة مناصرة تدعم المشاركة السياسية للأشخاص ذوي الإعاقة.
وتأمل الحملة أن تتمكن مع نهاية عام 2023 من تهيئة بيئة صديقة لذوي الإعاقة في المؤسسات والجمعيات في غزة، سعياً لتعزيز الهدف الأشمل الذي يتطلعون إليه.
أما أهمية نقل الموضوع للعلانية، بحسب المنظمين، فيكمن في إلزام المؤسسات بتطبيق وعودها، والضغط شعبياً عليها حتى تعجز عن العدول عن قرارها أو التهاون فيه.
أهم التكتيكات
في سياق متصل، أعلنت حملة “بكرة أحلى” أسماء المؤسسات الملتزمة بتوظيف ذوي الإعاقة في مراكز صناعة القرار في مؤتمر صحافي. وطبقت الحملة أسلوب التدرج في الاستهداف والتنوع بحيث حاولت الابتعاد عن المركزية التي قد تضعف الحملة في حال تعرض شخص في موقع مركزي لعدم القدرة على الاستمرار لأسباب خاصة أو لضغوط معينة. ولذلك شمل التكتيك وجود بدائل في كل موقع كي لا يتخلخل المشروع في حال غياب أي شخص.
أحلام كبرى
بعد النجاح في تجاوز العقبات سريعاً بدأ عدد من النشطاء التفكير بالانضمام لحزب سياسي. ورغم أن الحملة كانت في البداية تبتعد عن العمل السياسي، فإن القدرة على التحشيد والوصول إلى مواقع متقدمة في مؤسسات المجتمع المدني حفزت إبراهيم وسوسن وأماني على البحث عن إمكانية انضمام أشخاص من ذوي الإعاقة إلى الأحزاب السياسية في قطاع غزة. فهل نرى بعض هؤلاء الأشخاص في مواقع صنع القرار السياسي؟