التأتأة .. حينما يفقد الطفل طلاقة الكلام ويصمت ارتباكا وخوفا
سنابل الأمل/ متابعه
كان يصمت في كل مرة يحاول فيها البدء بالحديث، مكتفيا بتوجيه نظراته ومحاولا جاهدا أن يوصل ما يريد دون أن يتفوه بكلمة، فقد كان الكلام أكثر ما يؤرقه ويتعبه نفسيا.
لازمت التأتأة الطفل خالد منذ عامه الرابع، ففي كل مرة يحاول أن يبدأ فيها بالكلام تبدأ الكلمات تتلعثم في فمه، وتحمر وجنتيه ويتصبب عرقا خوفا من أن يوبخه أحد لعدم قدرته على ايصال ما يريد بالكلمات أو خوفا من الاحراج بأن يستهزئ به من حوله بحسب والدته التي تحاول في كل مرة تهدئته ومساعدته على الحديث.
وتروي والدة خالد معاناتها مع طفلها، خصوصا عندما يتعرض لسؤال مفاجئ أو يريد التعبير عن موقف ما تعرض له، فيبدأ بالتأتأة ويفقد التركيز على الكلام ويبدأ بمحاولة لملمة الكلمات لإعطاء والديه جملة مفيدة، وهو ما يجعلها تشعر بحزن كبير جدا عليه خصوصا وأنه في المدرسة.
في حين التفتت مجدولين إلى تأتأة طفلها أحمد وهو في الثالثة من عمره بعد أن تعرض لموقف أخافه كثيرا، فقد بعدها القدرة على الكلام بطلاقة واستمرت معه حتى عامه الخامس.
لم تترك والدة أحمد طريقة إلا لجأت إليها لمعرفة سبب التأتأة حتى وصلت إلى اختصاصية النطق التي نصحتها بدورها على تسجيله في رياض الأطفال لعلها تكسر حاجز الخوف لديه.
لم تقف مجدولين مكتوفة الأيدي بل قرأت الكثير من المقالات الطبية حول كيفية التعامل مع التأتأة وهو ما جعلها تتبع طرقا جديدة للتعامل مع طفلها وإعطائه الوقت الكافي ليتمكن من الحديث ودعمه عندما يبدأ بالتلعثم في الحديث أو الخوف من الكلام.من جهتها تعزو اختصاصية النطق رحاب الحسامي التأتأة إلى مجموعة من الأسباب منها ما هو نمائي وأخرى منشؤها عصبي، وعادة ما تبدأ التأتأة النمائية مع الأطفال في عمر اكتساب اللغة وهذا النوع من التأتأة يتدخل فيه اختصاصي النطق.
وتلفت الحسامي إلى وجود العديد من الأسباب النظرية التي تبرر ظهور التأتأة بشكل عام وأهمها عوامل وراثية في العائلة وأخرى عوامل تؤدي إلى ظهور التأتأة كتعرض الطفل إلى مواقف نفسية تسببت في ظهورها.
من جهة أخرى تبين الحسامي أن هناك عوامل أيضا تؤدي ليس فقط لظهور التأتأة وإنما لاستمرار ذلك ويتمثل في طريقة تفاعل الأهل مع المشكلة والناس الذين من حول الطفل ومدى تفهمهم للضغط الذي يشعر به.
وتختلف طريقة علاج المشكلة بحسب الحسامي من طفل واع لمشكلة التأتأة إلى طفل غير واع بذلك، لافتة إلى أن دور الأهل في التفاعل معها هو العامل المهم في حلها خصوصا لدى الأطفال في المراحل العمرية المبكرة.
وتتضح درجة الوعي بحسب ردات الفعل وفق الحسامي وما يمكن ان يسمعه الطفل او يواجهه من تنمر من قبل أفراد العائلة أو الأصدقاء أو زملاء المدرسة المعلمين والمعلمات وغيرهم من الأشخاص في البيئة المحيطة هذا كله يزيد الرهبة والخوف من الكلام.
“هناك الكثير من الأطفال يصلون إلى مرحلة التوقف عن الكلام تماما بسبب الخبرات السلبية من ردات فعل المحيطين”، مؤكدة الحسامي ضرورة عدم تنبيه الطفل للمشكلة أو التنمر عليه وفي بعض الأحيان تكون ردات الأهل عنيفة قد تصل إلى ضرب الطفل لعدم وعيهم ومدى إدراكهم وثقافتهم بالمشكلة.ويقوم اختصاصي النطق في التعامل مع مشكلة الطفل بطريقة غير مباشرة من خلال إعطاء نصائح للأهل بطريقة التعامل مع طفلهم حتى يتخلصوا من مشكلة التأتاة، وهو ما يحدده مدى الوعي بهذه المشكلة وهذا ينطبق تماما على البالغين.
وتقول الحسامي “مدى وعي الأهل وتفاعلهم الإيجابي مع مشكلة أبنائهم أطفالا كانوا أم بالغين له دور كبير في نجاح خطة العلاج”، في حين أن طريقة علاج البالغين الذين يعانون من التأتأة تكون بطريقة مباشرة مع الأخصائي من خلال استراتيجيات لزيادة الطلاقة الكلامية وتعزيز الثقة بالنفس للشخص وتخفيف الخوف وتقبل المشكلة لديه ليتمكن من تخطيها وتجاوزها.وتضيف الحسامي أن على الأهل تجاهل لحظات التأتأة عند الابن وعدم التوقف عندها كثيرا وتعزيز لحظات الطلاقة الكلامية لديه وإعطائه اهتماما أكبر في تلك اللحظات ومجالسته وتبادل الكلام معه هذا يجعل وضعه أفضل.
ويتعامل اختصاصي النطق مع حالة التأتأة لدى الأشخاص ضمن برنامج علاجي متكامل يستهدف الأهل والابن بالوقت نفسه، فضلا عن تنمية الجانب النفسي لديه وزيادة ثقته بنفسه وتدريبه على تجاوز لحظات حدوث التأتأة وتنمية قدرته على المواجهة وتقبل الانتقاد وهي تعتبر من أهم المراحل العلاجية لإزالة الحساسية اتجاه التأتأة.
إلى ذلك، فإن مدى تقبل الشخص سواء كان طفل ام بالغ لمشكلة التأتأة ان يواجهها ويستخدم إستراتيجيات للتخلص من عدم القدرة الكلامية، فإن وضعه يكون أفضل كثيرا.
اختصائية الإرشاد النفسي والتربوي الدكتورة سعاد غيث تشير إلى أن مشكلة التأتأة تصنف ضمن مشكلات عدم الشعور بالأمن فالطفل الذي يعاني من التأتأة أو التلعثم بالكلام هو طفل غير آمن ويشعر بالتوتر والضغط النفسي والقلق والخوف والكثير من العوامل الأخرى التي تؤدي إلى تلك المشكلة.
وغالبا تزول هذه المشكلات النمائية بحسب غيث مع التقدم بالعمر وهذه المشكلات تكون احيانا لدى الأطفال الذين ينشأون في أسر فيها عقوبات صارمة والأجواء المشحونة والأخطاء التي لا يتم التسماح معها أو مغفرتها، وبالتالي فإن المصدر الأول للدعم لدى الطفل الذي يعاني من التأتأة هو إعطائه الأمان والتسامح مع أخطائه وتوفير بيئة أسرية آمنة.وجزء من فقدان الأمن بالنسبة للأطفال قد يكون له علاقة بطبيعة الصلة بين الأب والأم، مبينة غيث أن العنف المنزلي سبب رئيسي في ظهور هذه المشكلة فقد يعبر الطفل عن خوفه أو قلقه بالتأتأة، في ظل وجود أجواء عائلية ضاغطة ومعايير عالية يتعرض لها الطفل كلها أو تسهم في تعزيز المشكلة.ويأتي العلاج وفق غيث من خلال وضع معايير تربوية للطفل تتناسب مع عمره وإمكانياته والتقبل وإعطائه شعور الحب كما هو.
وترى غيث، “أن الحب والتقبل للطفل غير المشروطين يمنحه بيئة سليمة وآمنة لاستكشاف نفسه”، وأن تكون لديه الشجاعة للخوض في مشاكل عديدة، وفي حال لم يتمكن الأهل من تدارك مشكلة التأتأة عند الأطفال ومعالجتها عندها يمكن الاستعانة باختصاصيي النطق لمساعدتهم على تجاوز المشكلة وعلاجها في حال توفرت بيئة أسرية آمنة.وتحذر من الطلب من الطفل الكلام بسرعة وعدم التأتأة أو حتى توبيخه كلها أمور تزيد من سوء وضعه، وبالتالي مطلوب من المعلمين أن يقولوا للطلاب الذين يعانون من هذه المشكلة أن يأخذوا راحتهم في الكلام وأن لا يشعروا بتوتر.
وتشير غيث إلى أن هؤلاء الأطفال قد يكونون مستهدفين وتتم ممارسة التنمر عليهم والسخرية والاستهزاء، لذا فلابد من نشر ثقافة التسامح والتقبل أن يكون التعامل مع الآخرين على درجة عالية من الاحترام والتعامل الإنساني ونبذ الفوقية فالحديث بطلاقة وسلاسة لا يعني التمر على الأشخاص الذين لا يمكلون هذه الخصائص.
الغد